مدرسة النبوة (29)
مدرسة النبوة (29) (إلى الرفيق الأعلى) مع الشيخ أحمد الحسني الشنقيطي
لما أكمل الله الدين، وأصبح له رجال تعهدهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالتربية،
أيضا واستوى الأمر، واستقامت المحجة، أجرى الله على نبيه صلى الله عليه وسلم سنته الماضية في خلقه
{ كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة } (آل عمران:185) .
وبدأ النبي صلى الله عليه وسلم يودع الحياة بأقوال وأفعال دالة على ذلك ، منها قوله في حجة الوداع:
( إني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا ) ،
كذلك ومنها أيضا أن جبريل كان يدارسه القرآن مرة، وقد دارسه في العام الذي قبض فيه مرتين، ومنها نزول آية كمال الدين وتمامه
{ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } (المائدة:3) ،
أيضا ومنها نزول سورة النصر
{ إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا * فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا} (النصر) .
كما قال ابن عباس رضي الله عنه هي نعي للرسول صلى الله عليه وسلم .فكل هذه الإشارات كانت تعنى دنو أجله صلى الله عليه وسلم .
إذا وفي يوم الاثنين 19 صفر سنة 11 من الهجرة بدأه المرض، وكان صداعاً حاداً منعه الحركة أول يوم ،
و كان في بيت أم المؤمنين ميمونه ،
أيضا فلما اشتد به المرض استأذن زوجاته في أن يمرض في بيت أم المؤمنين عائشة فأذِنَّ له ،
فخرج إلى بيت عائشة ورجلاه تخطان في الأرض من شدة المرض ، يساعده علي بن أبي طالب و الفضل بن عباس .
مدرسة النبوة (29)
كذلك فمكث أياماً والوجع لا يفارقه، لكنه يخرج للصلاة، ويعود إلى فراشه ،
أيضا وقبل الوفاة بخمسة أيام تحامل على نفسه، وخرج للناس وخطبهم، مذكراً أن الموعد معه على الحوض،
كما أنه ينظر إلى مقامه هناك، وحذرهم من التنافس في الدنيا، وأوصاهم بالنساء خيراً ،
ثم قال : ( إنِّ عبداً خيره الله بين الدنيا والآخرة، فاختار ما عند الله ) ، فأخذ أبو بكر يبكي ويقول : فديناك بآبائنا فديناك بأمهاتنا،
فعجب الناس من بكاء أبي بكر رضي الله عنه، وكان قد فهم كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فالمُخَيَّر هو رسول الله نفسه،
فأثنى النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بكر رضي الله عنه ونوه بفضله، ثم تحرياً منه للعدل دعا الناس قائلاً:
” من كانت له مظلمة عندي فليقتصها الآن مني ، ومن كان له شيء عليّ فليأخذه الآن ” ،
ثم عاد إلى فراشه فدخل عليه جمع من الصحابة وهو يتألم ، فأوصاهم عليه الصلاة والسلام بثلاثة:
إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، وإجازة الوفود بمثل ما كان يجيزهم، وإنفاذ جيش أسامة إلى الروم .
ثم كان يشتد عليه الألم حتى يغمى عليه وعندما يفيق يقول:
( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، لا تجعلوا قبري وثناً يعبد) .
أيضا فلما رأت فاطمة ما به من الألم قالت: ( واكرب أباه ) ، فقال لها : ( ليس على أبيك كرب بعد اليوم ) ،
ومع اشتداد الألم عليه
كذلك أوصى أن يصلي أبي بكر بالناس فصلى بهم سبع عشرة صلاة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم