القرآن الكريمتدبر

انطلق ولا تلتفت

 انطلق ولا تلتفت

تدبر مع فضيلة الشيخ عبد العزيز أصلان | انطلق.. ولا تلتفت.

إذا فإنّ حقيقة السّير هو السّير القلبيُّ، ذلك السّير الذي يحتاج إلى قلبٍ فارغٍ من الملهيات والصّارفات التي تلهيه وتصرفه عن محبوبه ومقصوده الذي هو الله تعالى. إنّ ملتفتٌ لا يصل،

ما دام القلب منشغلاً بالأغيار التي تحجبه عن ربّه، وطالما أن التعلقات الشهوانية والدنيوية قد تمكّنت منه،

وطالما أن أهواءه هي المسيطرة، فلن ينعم بتجليّات الحق سبحانه وفيوضاته، ولو صدق في حبّه لربّه حقًّا ما التفت لغيره،

أيضا وفي هذا السياق أذكُر إحدى اللطائفِ عن رجلٍ رأى امرأةً جميلةً فقال: لقد سرق حبّك قلبي فأنت أجمل من رأت عيني،

فقالت له: إن أختي ورائي هي أجمل منّي وأحسن منّي، فنظر الرجل فلم يجد أحدًا، فقالت: لو صدقتَ ما التفت!

وكذلك العبد الحائرُ، لو صدق مع الله ما التفت إلى غيره، ولوقف ببابه وبكى من خشيته وتضرّع إليه،

وعلم أنّه يراهُ فاستحى أن يراهُ على معصيةٍ. لو صدقَ فِعلاً،

كذلك ما التفت إلى الشّهوات وإلى الذنوب والسيّئات. فالمعنى الجامع الذي تجده عن الالتفات، هو المنع عنه خشية أن ينشغل المرءُ عن إدراك ما كلّف به.

أيضا ولعلّ من أكثر المعاني دلالةً وتبسيطًا ما صح عنه -صلى الله عليه وسلم-من النهي عن الالتفات في الصلاة،

 انطلق ولا تلتفت

فعن عائشة -رضي الله عنها-أنها قالت: “سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة؟ فقال: هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد”. 

كذلك وأنت في حضرته سبحانه، واقفٌ بين يديه، يأتيك اختلاسٌ يُلهيك عن الانشغال به، فيُذهبُ عنك الخشوع، فأنّى يُدركك الفلاح، وكيف تُقبل الصّلاة!

والصّلاة وقفة، والدّنيا أمامها وقفات وامتحانات وابتلاءات،

إذا فكثيرُون هم من تلهيهم أحداثُ أيّامهم عن هدفهم، يتيهون في خِضم الحياة عن سبيلهم الذي يجب أن يسيروا فيه ويستقيموا عليه،

فيغيب الطريق عن بعضهم، وتغيب الوسائل الصّالحة لقطعه عن آخرين،

أيضا وقد يبتدئ بعضهم في السير ثم ينشغل عن مقصده السّاعي إليه ومراده السائر نحوه، فنرى الانحراف بعد الاستقامة،

كذلك والتساقط بعد الجد والوثب، وأصل البلاء التفاتُ القلب عن القصد، ويتبعه التفات البدن ولابد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى