أثر الموسم الثاني (5)
أثر الموسم الثاني (5) م أحمد ماضي
غزوة تبوك.. جيش العسرة الذي حطم جدار الرعب الروماني
لم تكن تبوك غزوة مثل سابقاتها من الغزوات والحروب التي خاضها نبي الإسلام محمد ﷺ وصحابته الكرام.. وإذا كانت الحروب كلها بأسا وعسرا، فقد كان لتبوك النصيب الأوفى من العسر والبأس.. فقد اجتمع لها بعد المكان، وصعوبة ظرف الزمان، وانعدام وسائل التموين، ومغالبة الأخطار المتعددة..لذلك كانت تحديا لنواميس الطبيعة، وأعلى سلطان للطغيان البشري يومها.. لكنها أيضا كانت في كنهها تحديا لطبيعة النفس البشرية الميالة إلى الراحة والدعة.. المؤثرة للحياة على السير الحافي في حر الصيف دون زاد ولا ماء.. لملاقاة أقوى وأعتى قوة عسكرية في العالم يومها
جيش العسرة.. غزوة في الصيف إلى أقصى بلاد العرب
سار النبي الكريم ﷺ إلى تبوك في العام التاسع الهجري الموافق 630 ميلادي..أيضا وكان من أبرز خصوصيات معركة تبوك أن رسول الله ﷺ صرح فيها بالوجهة والخصم، في استثناء كان وقعه على النفوس شديدا..كذلك وتمحيصه للرجال ناصعا.. ولذلك سميت هذه الغزوة بالفاضحة..ذلك لأنها كشفت المنافقين الذين وقفوا لها بالمرصاد تشكيكا وإرصادا.
أثر الموسم الثاني (5)
كما أن هذا التصريح -الذي لم يكن من سنن الرسول ﷺ في الغزوات- فتح أمام المسلمين باب الخيار..أيضا وأدار في النفوس جدلا عميقا حول نداء النفير إلى الموت الزؤام.. ونوازع النفوس الميالة إلى السلم والراحة، لكن سطوة الإيمان وسلطان الوفاء وجاذبية الوعود الربانية كانت أقوى من أغلال النفوس المهترئة.. فتسابق المسلمون إلى صفوف الجيش الكبير، جودا بالنفس والدم والمال.. وتلك أعلى غايات الجود، وأعز مضمار للبذل
“من جَهَّز جيشَ العسرة فلَهُ الجنَّةُ”.. سباق الأثرياء
لم يكن الجود بالمال في هذا الظرف أقل مراتب الجود.. بل كان رتبة سامية..ذلك نظرا لضيق ذات اليد وغياب المصادر المالية لتسيير هذا الجيش الكبير، وهنا تدخلت جاذبية الوعد الرباني.. فخطب رسول الله ﷺ في المسلمين “من جَهَّز جيشَ العسرة فلَهُ الجنَّةُ
فهَمَتْ غيوث الكرم، وتسابق الصحابة رضوان الله عليهم في تجهيز الجيش..أيضا وكان من أبرزهم عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقد انطلق إلى بيته وعاد مسرعا بألف دينار.. ووضعها بين يدي رسول الله ﷺ، ثم أمد الجيش النبوي بثلاثمئة بعير بكامل عدتها من أسلحة وأحلاس..ذلك وهو ما يعني أنه جهز ثلث الجيش، فكان كل بعير ركوبا لعشرة مقاتلين من المسلمين.
ثم جاء أبو بكر الصديق رضي الله عنه بكل ماله دون أن يبقي لأهله شيئا، وجاء عمر بنصف ماله بعد أن ظن أنه سيسبق الصديق في مضمار الكرم والبذل..أيضا ولم يزل مزاد الجنة يعلو ويغلو بدفق من جود الصحابة..كذلك وخصوصا الأثرياء منهم من أمثال العباس بن عبد المطلب وطلحة بين عبيد الله ومحمد بن مسلمة وعاصم بن عدي.