قضايا قرآنية (3)
قضايا قرآنية (3) … مع مصباح سيدي
الفســــاد في الأرض
القرآن الكريم يسمي التهديد لهذه الحاجات الأساسية، والإخلال بهذه المواثيق والروابط التي تحفظ تماسك المجتمع،
كذلك والتي تشكل البنية التحتية لأي مجتمع مدني،
أيضا بالافساد في الأرض، وهي عملية مستهجنة ويقدّر عموم أفراد المجتمع خطرها وآثارها المدمرة،
ولذا اعتبر الحفاظ على هذه الوحدة الاجتماعية المستندة لهذا العامل أمراً مطلوباً من الجميع;
ذلك لأنها تمس حياتهم جميعاً. ويتعرّض القرآن بشكل مفصّل تحت عنوان الإفساد في الأرض إلى ضمانات الأمن الاجتماعي،
وخصوصاً الداخلي منه، وكذلك يتعرض إلى الحاجات الاقتصادية وسلامتها،
كما يتعرض إلى المواثيق والعهود والروابط التي تحفظ المجتمع، وإلى خطر تجاوز العهود وانحلال الروابط.
وهناك جانب آخر من حفظ المجتمع واستمراره وتكامله يرتبط بنوع المثل الأعلى لذلك المجتمع،
كذلك والروح الثقافية التي تبلور شخصية ووجود هذا الكيان الاجتماعي،
واثر ذلك على استمرار المجتمع وتكامله، والخلل في نوعية المثل الأعلى الذي يشكل هوية كل مجتمع
والتي تنعكس آثاره على تماسكه، فنوع المنهج والنظام السياسي السائد،
ومدى ارتباطه بالله وسيادته ومولويته على كل جوانب الحياة، وتفاعل المجتمع معها بالطاعة والقرب والحركة التكاملية باتجاه الله وصفاته،
أيضا ينعكس ذلك على آثار هذا القرب من الحق على سعادة هذا المجتمع ورقيه وتماسكه(1):
﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا﴾
الفساد والكفر
إن عملية الهداية والإرشاد التي يقوم بها الأنبياء والأولياء والصالحون، والتي تستهدف نقل المجتمع من حالة إلى حالة أرقى وأكثر كمالاً،
ذلك قد تؤدي في آثارها إلى تغيرات في الروابط الاجتماعية والمواقع والأدوار،
مما تنعكس آثارها على الاتفاقات والأعراف والقيم السائدة
والتي كان مما سبق يمكن أن نقول: إن موضوع الفساد غير موضوع الكفر، فالكفر مجاله الظلم والخطأ في المعتقد،
والجحود بالله وكفران نعمته، أمّا الفساد فموضوعه عمل الانسان وفعله ونتاجه وعلاقاته وروابطه.
قضايا قرآنية (3)
الفساد والظلم
يستعمل القرآن الكريم مصطلح (الظلم) في موارد كثيرة واستعمالات متعددة،
فمصطلح (الظلم) يشمل في القرآن الكريم ظلم الانسان نفسه بالكفر والجحود والمعصية،
كذلك وظلمه أخاه بتعديه على حقوقه، وظلم الحاكم للمجتمع بقهره واستعباده،
أيضا وظلم مجتمع لمجتمع بالعدوان عليه، وظلم مجتمع أو قوم لنبي بتكذيبه ومحاربة دعوته.
كما يبدو أن الفساد قد يشترك مع بعض أشكال الظلم الذي يكون موضوعه المجتمع، فيزعزع استقراره وتماسكه وانسجامه ككل.
وسوف نتناول هذا الموضوع بشيء من التفصيل عند بحث مصطلح الظلم في القرآن الكريم
الفساد والإصلاح
لعلّ ما يقابل مصطلح (الفساد) في القرآن الكريم هو مصطلح (الإصلاح) ،
كذلك وقد اقترن كثير من الآيات التي تذكر الفساد في الأرض بموضوع الاصلاح، حيث ذكر في اكثر من مورد (بعد إصلاحها)،
أو ﴿ينهون عن الفساد في الأرض﴾، أو ﴿يفسدون في الأرض ولا يصلحون﴾، وما شابه من الموارد