تأملات (5) مع دمحمد علي
يعد اهتمام الإسلام بالقيم الفاضلة من أهم العوامل التي حفظت الأمة العربية من التدهور والانحلال الخلقي الذي كانت تعاني منه الأمم الأخرى قديماً وحديثاً
لأن للقيم أثراً كبيراً في معظم مجالات الحياة، إذ تقوم عليها نهضة وتطور الأمم والشعوب،
وبالقيم تتماسك الأنظمة الاجتماعية لدى الأمم، كما أنها تساعد على الاحتفاظ بهويتها وذاتيتها، وبالقيم يرتبط مستقبلها واستقرارها.
وعلى الرغم من كثرة اهتمام علماء المسلمين بمادة علوم القرآن قديماً،
إلا أنّ اهتمامهم بوضع الدراسات المتخصصة في إبراز منظومة القيم الإسلامية
في المصطلح القرآني قليل جداً، وإنْ كانت جهودهم لا تخلو من إشارات
ونظَرات إلى مقاصد القرآن العامة، في حين جعل بعض المفسرين المتأخرين موضوع القيم أساساً وأصلاً من أصول التفسير،
التي بحسن توظيفها يكتسب الفرد الكثير من الصفات والقيم والأخلاق والمبادئ السامية، ويقود إلى بناء مجتمع قوي ومتآلف.
ومهما كان المجتمع غاصاً في جاهليته، غارقاً في ضلالاته، سادراً في غيه، فإنه لا يستغني بحال عن منظومة خاصة به للقيم والمثل،
تأملات (5) مع دمحمد علي
والناظر إلى حال المجتمعات البشرية قبل ظهور الإسلام يجد فيها رغم جاهليتها الشديدة أثرة من الفضائل الإنسانية؛
من شجاعة وكرم، ونجدة وإغاثة الملهوف، يدل على ذلك:
حلف الفضول الذي حضره محمد -صلى الله عليه وسلم- شابًّا، وأثنى عليه نبيًّا، وهو حلف عقد في الجاهلية لنجدة المظلوم.
وكانت هذه الفضائل هي البقية الباقية من ميراث النبوات السابقة الأديان في المجتمعات،
أيضا واستجابة لصوت الفطرة التي يولد عليها كل مولود.
فلما جاء الإسلام أحسن توظيف تلك القيم الباقية وأشاد بها وأقرها
ثم أدرجها داخل منظومته الخاصة بالقيم وصبغها بصبغته المميزة في تعلقها بالإيمان والمعتقد والعمل والأجر
تعتبر منظومة القيم في المجتمع المسلم رمانة الميزان التي تحافظ على توازن المجتمع واستقراره واستمراريته في أداء وظيفته الدينية والدنيوية.
وقد امتدت القيم التي وضعها الإسلام لتصبغ مجالات الحياة كافة بصبغتها وطابعها الخاص،
ولتنظم سلوك الإنسان على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع والدولة، بحيث ارتبط العطاء الحضاري للمجتمعات المسلمة
بمنظومة القيم الحاكمة فيها ارتباطاً مباشراً دفع خصوم الأمة للإذعان والإشادة بتلك المنظومة السامقة