تأملات (9) مع دمحمد علي
ثم يجيء التعقيب الشامل على تلك الأحكام; وعلى تلك التنظيمات التي شرعها الله للأسرة في المنهج الإسلامي،
ليرفع بها المجتمع المسلم من وهدة الحياة الجاهلية; وليرفع بها مستواه النفسي والخلقي والاجتماعي
إلى القمة السامقة النظيفة الوضيئة التي رفعه إليها. يجيء التعقيب ليكشف للجماعة المسلمة عن حقيقة ما يريده الله لها بهذا المنهج
وبتلك الأحكام والتشريعات والتنظيمات; وعن حقيقة ما يريده بها الذين يتبعون الشهوات ويحيدون عن منهج الله:
يريد الله ليبين لكم، ويهديكم سنن الذين من قبلكم، ويتوب عليكم، والله عليم حكيم
والله يريد أن يتوب عليكم، ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما يريد الله أن يخفف عنكم، وخلق الإنسان ضعيفا ..
إن الله – سبحانه – يتلطف مع عباده; فيبين لهم حكمة تشريعاته لهم، ويطلعهم على ما في المنهج الذي يريده لحياتهم من خير ويسر. إنه يكرمهم – سبحانه –
كذلك وهو يرفعهم إلى هذا الأفق. الأفق الذي يحدثهم فيه، ليبين لهم حكمة ما يشرعه لهم وليقول لهم: إنه يريد أن يبين لهم..
يريد الله ليبين لكم ..
يريد الله ليكشف لكم عن حكمته ويريد لكم أن تروا هذه الحكمة، وأن تتدبروها،
وأن تقبلوا عليها مفتوحي الأعين والعقول والقلوب; فهي ليست معميات ولا ألغازا;
كذلك وهي ليست تحكما لا علة له ولا غاية; وأنتم أهل لإدراك حكمتها; وأهل لبيان هذه الحكمة لكم..
أيضا وهو تكريم للإنسان، يدرك مداه من يحسون حقيقة الألوهية وحقيقة العبودية، فيدركون مدى هذا التلطف الكريم. [ ص: 631 ]
تأملات (9) مع دمحمد علي
ويهديكم سنن الذين من قبلكم ..
إذا فهذا المنهج هو منهج الله الذي سنه للمؤمنين جميعا. وهو منهج ثابت في أصوله، موحد في مبادئه، مطرد في غاياته وأهدافه..
أيضا هو منهج العصبة المؤمنة من قبل ومن بعد. ومنهج الأمة الواحدة التي يجمعها موكب الإيمان على مدار القرون.
بذلك يجمع القرآن بين المهتدين إلى الله في كل زمان ومكان; ويكشف عن وحدة منهج الله في كل زمان ومكان;
ويربط بين الجماعة المسلمة والموكب الإيماني الموصول، في الطريق اللاحب الطويل.
أيضا وهي لفتة تشعر المسلم بحقيقة أصله وأمته ومنهجه وطريقه.. إنه من هذه الأمة المؤمنة بالله، تجمعها آصرة المنهج الإلهي،
ذلك على اختلاف الزمان والمكان، واختلاف الأوطان والألوان وتربطها سنة الله المرسومة للمؤمنين في كل جيل، ومن كل قبيل.
ويتوب عليكم ..
أيضا فهو – سبحانه – يبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم، ليرحمكم …
ذلك ليأخذ بيدكم إلى التوبة من الزلل، والتوبة من المعصية. ليمهد لكم الطريق، ويعينكم على السير فيه..
والله عليم حكيم …