قضايا قرآنية (7)
قضايا قرآنية (7) …مع مصباح سيدي
فقد تعرَّض مصطلح (الإصلاح) إلى كثيرٍ من الخلط والعبث الفكري من قِبَل بعض المنهزمين أمام الحضارة الغربية؛ ففرَّغوا الإصلاح من مضمونه الشرعي
وجعلوه غطاءً على (تحريف الدين) و (إبطال الشريعة)؛ حتى أصبح مصطلح (الإصلاح) يثير الريبة والتوجس والقلق بين عامة المسلمين.
أيضا ولا شك أن الصلاح هو الغاية المطلوبة من العباد في الاعتقاد والأقوال والأعمال؛ فبغير الصلاح لا يقبَل أي عمل ولا تحصل أي قربى،
كذلك ولا توضع البركة في الأموال والأنفس والثمرات. وإن من الأشياء العظيمة أن يكون الإنسان صالحاً في قوله وعمله،
ولكن الأعظم من ذلك أن يكون مصلحاً في قوله وعمله؛ فالصالح قد اكتفى بنفسه عن الخلق، وأما المصلح فقد حمل هموم الخلق،
أيضا وتصدى لإصلاحهم، وإن الصلاح يستجلَب به الخير والبركة والنماء، أما الإصلاح فيدفع الله به عن البشر الشرَّ والهلاكَ
الإصلاح في القرآن:
ورد لفظ الصلاح في القرآن مضاداً للفساد، والإصلاح مضاداً للإفساد، وكلٌّ من الصلاح والفساد مختصان في أكثر الاستعمال بالأفعال،
كذلك وقوبل الصلاح في القرآن تارة بالفساد وتارة بالسيئة،
كما أن إصلاح الله – تعالى – الشيءَ يكون تارة بخلقه إياه صالحاً، وتارة بإزالة ما فيه من الفساد بعد وجوده، وتارة يكون بالحكم له بالصلاح.
قضايا قرآنية (7)
أيضا ولفظ «الإصلاح» لفظ قرآني له دلالات عظيمة. جاء الإصلاح في القرآن والسنة بصيغ متعددة تدل في مجملها على أن دين الله – تبارك وتعالى –
ذلك يهدف إلى إصلاح الإنسان في الاعتقاد والسلوك والعبادات والمعاملات،
كذلك واعتَبَر القرآنُ في عدة آيات منه أن الإصلاح مهمة الأنبياء – عليهم السلام – ووظيفتهم الأساسية.
قال الله – تعالى – على لسـان شعيب – عليه السلام -:
{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إن كنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أخَالِفَكُمْ إلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ
إنْ أرِيدُ إلاَّ الإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإلَيْهِ أنِيبُ} [هود: 88].
أيضا والضابط الذي يميز بين المصلح حقيقة وبين مدَّعي الإصلاح بالباطل هو رب العالمين؛ فهو وحدَه من يحدد المصلِح والمفسِد. قال – جل وعلا –
: {فِي الدنْيَا وَالآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قلْ إصْلاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإن تخَالِطُوهُمْ فَإخْوَانُكُمْ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْـمفْسِدَ مِنَ الْـمصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ إنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: 220]،
ويقول – سبحانه -:
{وَلا تفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إصْلاحِهَا وَادْعوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْـمحْسِنِينَ} [الأعراف: 56].
يقول سيد قطب – رحمه الله -:
«غير أن الآية تبقى – من وراء ذلك التعريض – مطْلَقة، تعطي مدلولها كاملاً، لكل جيل ولكل حالة.
إن الصيغة اللفظية: {يمَسِّكُونَ} تصور مدلولاً يكاد يحس ويرى.
كما إنها صورة القبض على الكتاب بقوة وجِد وصرامة. الصورة التي يحب الله أن يؤخذ بها كتابه وما فيه في غير تعنت ولا تنطع ولا تزمت،
فالجِدُّ والقوة والصرامة شيء والتعنت والتنطع والتزمُّت شيء آخر.
كما إن الجد والقوة والصرامة لا تنافي اليسر، ولكنها تنافي التميع، ولا تنافي سعة الأفق ولكنها تنافي الاستهتار،
كذلك ولا تنافي مراعاة الواقع ولكنها تنافي أن يكون «الواقع» هو الحكم في شريعة الله، فهو الذي يجب أن يظل محكوماً بشريعة الله.