قضايا قرآنية (5)
قضايا قرآنية (5) …. مع مصباح سيدي
الحضارة مفهومها وتناول القرآن لها
ترتكز الحضارات في نهوضها أو تأخرها على أسباب تأخذ بها نحو البناء أو الهدم؛
لذلك وجهنا تعالى في كتابه الكريم لمراعاة تلك الأسباب والأخذ بها؛
لما لها من تأثير على البناء الحضاري في جميع الأزمان والعصور التي مرت على البشرية.
كذلك وفي هذا المقال إلقاء للضوء على أهم تلك الأسباب
الحضارة في اللغة تقترن بالحضر والعمران، ومن أوائل من استخدم مصطلح الحضارة بمفهومه القريب من معناه الحديث:
ابن خلدون،
فقد عرفها بقوله: «هي التّفنّن في التّرف واستجادة أحواله والكلف بالصّنائع التي تؤنّق من أصنافه وسائر فنونه»[1]
ويرى أن التطور العمراني من المظاهر الملازمة لأي حضارة
المحور الأول: التقدُّم الحضاري في القرآن الكريم:
كرَّم الله تعالى الإنسان على غيره من المخلوقات واستخلفه في الأرض ليعمرها وُفق مراد الله، وشرَّفه بالعقل ليستصلح شؤونه ويدفع عن نفسه الأضرار،
كذلك ويصل إلى العلوم والمعارف، فيتطوَّر ويتقدَّم في أساليب حياته وحضارته،
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِىٓ ءَادَمَ وَحَمَلْنَٰهُمْ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَفَضَّلْنَٰهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍۢ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾ [الإسراء: ٧٠].
قال ابن عاشور: «وقد جمعت الآية خمسَ مِنَنٍ: التكريم، وتسخير البر، وتسخير البحر، والرزق، والتفضيل بالعقل»
والنهوض الحضاري المنشود في ضوء القرآن الكريم له أسباب واضحة تتعلَّقُ بالروح والجسد، والفرد والمجتمع، والحكم والقيم والاقتصاد والجغرافيا
أولاً – الإيمان بالله:
النهضة الحضارية لا بدَّ لها من قوّةٍ دافعةٍ تحرِّك الإنسان نحو هدفه في البناء.
أيضا والإيمانُ بالله يولِّد هذه القوة، فيعرف الإنسان سببَ وجوده في الحياة، وما وكل إليه في هذا الكون من مسؤوليات،
فينصلح قلبه وينعكس ذلك على تصرفاته وسلوكه في العمارة وتشييد الحضارة.
كذلك والخطاب بلفظ الإيمان في كتاب الله تشريفٌ وتكليف؛ تشريفٌ بأنَّ هذه النعمة العظيمة من الله،
أيضا وتكليفٌ بالمترتِّب عليها، لذلك فإنَّ التكاليف تأتي مباشرةً بعد الخطاب بالإيمان،
قال تعالى: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ [آل عمران: ٥٧]، فالإيمان لا ينفصل عن العمل الذي لا تُتصوَّر حضارةٌ بدونه.
ثانيًا – العلم:
غَرَس القرآن الكريم في قلوب المسلمين حبَّ العلم النافع سواءً كان علومًا كونية أو شرعية منذ بداية نزوله، كذلك فأوَّل آية أُنزلت على الرّسول ﷺ كانت تختصُّ بالعلم، وتأمر به وتحضُّ عليه،
قال تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق: ١].
ثالثًا: العدل:
العدل هو الميزان الضامن لاستمرار الحضارة، وضرورة من ضروراتها،
قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ [الحديد: ٢٥].