القرآن يشتكى هجرك
تدبر مع فضيلة الشيخ عبد العزيز أصلان | القرآن يشتكى هجرك!
بسم الله الرحمن الرحيم
((وقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إنَّ قَومِي اتَّخَذُوا هَذَا القُرآنَ مَهجُوراً)) [الفرقان: 30].
المناسبة:
لما ذكر – تعالى – ما قاله المشركون من الباطل في معارضة القرآن والإعراض والصد عنه،
وما قالوه من عبارات الحسرة والندامة يوم القيامة على ما كان منهم من ذلك في الدنيا ذكر
ما قاله النبي – صلى الله عليه وسلم – من الشـكـوى لـربـه بهـم من تركـهم للقرآن العظيم وهجره.
المفردات:
مهجوراً: متروكاً مقاطَعاً مرغوباً عنه. الرسول – صلى الله عليه وسلم -: محمد. وقومه: قريش.
التراكيب:
في قوله ((يا رب)): إظهار لعظيم التجائه وشدة اعتماده وتمام تفويضه لمالكه، ومدبر أمره ومُوالي الإنعام عليه.
وفى التعبير عنهم بقومه وإضافتهم إليه، وفى التعبير عن القرآن باسم الإشارة القريب بيان لعظيم جرمهم، كذلك فتركهم للقرآن – وهو قريب في متناولهم – وقد أتاهم به واحد منهم أقرب الناس إليهمº
فصدوا وأبعدوا في الـصد عـمـن هو إليهـم قـريـب مـن قريب. وهذا أقبح الصد وأظلمه. وفى قوله ((اتخذوا))..الخ
بيان أنهم جعلوا الهجر ملازماً له ووصفاً من أوصافه عندهم، وذلك أعظم من أن يقال هجروه، الذي يفيد وقوع الهجران منهم دون دلالة على الثبوت والملازمة.
المعنى:
وقال الرسول شاكياً لربه إن قومي – الذين أرسلتني إليهم بالقرآن لأتلوه عليهم – قد صدوا عنه فتركوه وثبتوا على تركه وهجره.
القرآن يشتكى هجرك
استنتاج وعبر:
أيضا في شـكـوى النبي – صلى الله عليه وسلم – من هجر القرآن دلـيـل على أن ذلك من أصـعـب الأمور عليه وأبغضها لديه،
وفى حكاية القرآن لهذه الشكوى وعيد كبير للهاجرين بإنزال العـقـاب بهم إجابة لشكوى نبيه،
أيضا ولما كان الهجر طبقات، أعلاها عدم الإيمان به فلكل هاجر حظه من هذه الشكوى وهذا الوعيد.
تنزيل:
ونحـن – معـشـر المسلمين – قد كان منا للقرآن العظيم هجر كثير في الزمان الطويل وإن كنا به مؤمنين،
كما بسط القرآن عقائد الإيمان كلها بأدلتها العقلية القريبة القاطعةº فهجرناها،
أيضا وقلنا تلك أدلة سمـعـية لا تحصل اليقين، وأخذنا في الطرائق الكلامية المعقدة وإشكالاتها المتعددة واصطلاحاتها المحدثة
ذلك مما يصعب أمره على الطلبة فضلاً عن العامة، وبيّن القرآن أصول الأحكام وأمهات مسائل الحلال والحرام ووجوه الـنظـر والاعـتـبار،
كذلك مع بيان حِكم الأحكام وفوائدها في الصالح الخاص والعامº فهجرناها واقتصرنا على قراءة الفروع الفقهية مجردة بلا نظر، جافة بلا حكمة،
محجبة وراء أسوار من الألفاظ المختصرة، تفني الأعمار قبل الوصول إليها،
أيضا وبيّن القرآن مكارم الأخلاق ومنافعها ومساوىء الأخـلاق ومـضـارهـا، وبين السبيل للتخلي عن هذه والتحلي بتلك مما يحصل به الفلاح بتزكية النفس،
والسلامة من الخيبة بتدسيتهاº فهجرنا ذلك كله، ووضعنا أوضاعاً من عند أنفسنا، واصطلاحات من اختراعاتنا،
كما خرجنا في أكثرها عن الحنيفية السمحة إلى الغلو والتنطع، وعن السنة البيضاء إلى الإحداث والتبدع،
أيضا وأدخلنا فيها من النسك الأعجمي، والتخيل الفلسفى ما أبعدها غاية البعد عن روح الإسلام، وألقى بين أهلها بذور الشقاق والخصام،
كذلك وآل الحال بهم إلى الخروج من أثقال أغلالها، والاقتصار على بقية رسومها للانتفاع منها ومعارضة هداية القرآن بها