تأملات (1) مع دمحمد علي
سورة النساء
هذه السورة مدنية، وهي أطول سور القرآن – بعد سورة البقرة – وترتيبها في النزول بعد سورة الممتحنة، التي تقول الروايات:
إن بعضها نزل في غزوة الفتح في السنة الثامنة للهجرة، وبعضها نزل في غزوة الحديبية قبلها في السنة السادسة.
ولكن الأمر في ترتيب السور حسب النزول – كما بينا في مطالع الكلام على سورة البقرة في الجزء الأول – ليس قطعيا.
كما أن السورة لم تكن تنزل كلها دفعة واحدة في زمن واحد. فقد كانت الآيات تتنزل من سور متعددة ثم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم،
بوضع كل منها في موضعه من سورة بذاتها، والسورة الواحدة – على هذا – كانت تظل ” مفتوحة ” فترة من الزمان تطول أو تقصر.
وقد تمتد عدة سنوات. وفي سورة البقرة كانت هناك آيات من أوائل ما نزل في المدينة ، وآيات من أواخر ما نزل من القرآن.
وكذلك الشأن في هذه السورة. فمنها ما نزل بعد سورة الممتحنة في السنة السادسة وفي السنة الثامنة كذلك.
ولكن منها الكثير نزل في أوائل العهد بالهجرة. والمنتظر – على كل حال –
أن يكون نزول آيات هذه السورة قد امتد من بعد غزوة أحد في السنة الثالثة الهجرية، إلى ما بعد السنة الثامنة، حين نزلت مقدمة سورة الممتحنة.
ونذكر على سبيل المثال الآية الواردة في هذه السورة عن حكم الزانيات:
فمن المقطوع به أن هذه الآية نزلت قبل آية سورة النور التي بينت حد الزنا:
وهذه الآية الأخيرة نزلت بعد حديث الإفك في السنة الخامسة
تأملات (1) مع دمحمد علي
وفي السورة نماذج كثيرة كهذا النموذج، تدل على تواريخ نزولها على وجه التقريب. على النحو الذي بيناه في مطالع الكلام عن سورة البقرة .. [ ص: 555 ]
هذه السورة تمثل جانبا من الجهد الذي أنفقه الإسلام في بناء الجماعة المسلمة،
وإنشاء المجتمع الإسلامي وفي حماية تلك الجماعة، وصيانة هذا المجتمع. وتعرض نموذجا من فعل القرآن في المجتمع الجديد ،
الذي انبثق أصلا من خلال نصوصه، والذي نشأ ابتداء من خلال المنهج الرباني. وتصور بهذا
وذلك طبيعة هذا المنهج في تعامله مع الكائن الإنساني كما تصور طبيعة هذا الكائن وتفاعله مع المنهج الرباني..
تفاعله معه وهو يقود خطاه في المرتقى الصاعد، من السفح الهابط، إلى القمة السامقة.. خطوة خطوة، ومرحلة مرحلة..
بين تيارات المطامع والشهوات والمخاوف والرغائب وبين أشواك الطريق التي لا تخلو منها خطوة واحدة
أيضا وبين الأعداء المتربصين على طول الطريق الشائك! وكما رأينا من قبل – في سورة البقرة وسورة آل عمران –
مواجهة القرآن لكل الملابسات المحيطة بنشأة الجماعة المسلمة في المدينة وبيان طبيعة المنهج الرباني الذي تنشأ الجماعة على أساسه
وتقرير الحقائق الأساسية التي يقوم عليها التصور الإسلامي، والقيم والموازين التي تنبثق من هذا التصور
وإبراز التكاليف التي يقتضيها النهوض بهذه الأمانة في الأرض وتصوير طبيعة أعداء هذا المنهج وأعداء هذه الجماعة التي تقوم عليه في الأرض،
وتحذيرها من وسائل أولئك الأعداء ودسائسهم وبيان ما في عقائدهم من زيف وانحراف، وما في وسائلهم من خسة والتواء … إلخ …
فكذلك نرى القرآن – في هذه السورة – يواجه جملة هذه الملابسات والحقائق..