القرآن الكريمقضايا قرآنية

قضايا قرآنية (6)

قضايا قرآنية (6)

قضايا قرآنية (6)  …. مع مصباح سيدي

سنة الإبتلاء

 من أصول الإيمان أن نعتقد أن الله تعالى حكيم في جميع أفعاله؛ لا يفعل شيئًا إلّا لحكمة تامّة؛ عَلِمَها مَنْ عَلِم، وجَهِلَها مَنْ جَهِل؛ ومن ذلك إنزال البلاء بالعباد؛

فاللهُ تعالى لا ينْزِل البلاءَ عبثًا، حاشاه -سبحانه-، وإنما ينْزله لحِكَمٍ عظيمة جليلة بيّنَها في كتابه وسنة نبيّه -صلى الله عليه وسلم

الابتلاء سنة الله تعالى في خلقه:

الابتلاء لغةً هو الاختبار والامتحان، قال ابن منظور: «بلوت الرجل بلوًا وبلاءً، وابتليته: اختبرته…، والبلاء يكون في الخير والشر،

يقال: ابتليته بلاءً حسنًا وبلاءً سيئًا[1]. وليس ثمة كبير اختلاف بين المعنى الاصطلاحي والمعنى اللغوي.

وابتلاء العباد سنة ثابتة ماضية من الله تعالى في جميع خلقه ليختبر صدقَ إيمانهم؛

قال تعالى: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهمْ لَا يفْتَنُونَ *

وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}[العنكبوت: 1- 3].

وقد أخبر اللهُ تعالى بتعدّد أنواع البلاء الذي يبتلي به عباده، وتنوّع صوره،

كما بين ما يقع في البلاء من الخوف والجوع والنقص في الأموال والأنفس والثمرات وغير ذلك،

أيضا ومعلوم أن نقص الأنفس بالموت إنما يكون لأسباب عديدة؛ منها الحروب والأوبئة كالطاعون وغيره من الفيروسات والأوبئة المهلكة،

كذلك وحثّنا -سبحانه- على الصبر على ابتلائه لنا بذلك، وبيَّن حسن عاقبة الصابرين على البلاء.

قال تعالى:

 {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ

* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ همُ الْمهْتَدُونَ}[البقرة: 155-157].

قضايا قرآنية (6)

تعدد الحِكَم في الابتلاء:

أيضا من الآيات السابقة وغيرها ممّا سنورد في هذا المقال نتبيّن أنّ حِكَم الله -سبحانه- في إنزال البلاء بالعباد تتعدّد وتتنوّع بحسب الأحوال؛ فمن ذلك:

1. إنزال البلاء لرفع درجات المؤمنين الصابرين الصادقين:

فمن ذلك ابتلاء الله تعالى عباده المؤمنين الصادقين بالجهاد في سبيله، وفيه صنوف من الأذى والابتلاء بالقول والفعل،

كذلك وأذى في الأموال بنقصها وهلاكها، وفي الأنفس بالجراحات والأسقام والأوجاع والقتل؛

قال تعالى: 

{لَتبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أوتوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}[آل عمران: 186].

2. إنزال البلاء لتمحيص المؤمنين وتبين الصادق من الكاذب:

أيضا فإنّ الله تعالى لا يقبل من العباد أن يكون إيمانهم مجرّد دعوى فارغة من الدليل والبرهان؛ فلا بد لكلّ ادّعاء من بيّنة على صحته؛

كما قال تعالى:

 {وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صدُورِكُمْ وليمحص مَا فِي قلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}[آل عمران: 154]

3. إنزال البلاء تكفيرًا لخطايا المؤمنين ومحوًا لسيئاتهم:

ذلك ليعلمْ العبد المؤمن أنه ما من بلاء نزل إلّا بذنب؛ فمن حكمة إنزال البلاء تكفير الخطايا ومحو السيئات؛

أيضا فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:

«لا يزال البلاءُ بالمؤمن أو المؤمنة، في جسده، وفي ماله، وفي ولده، حتى يَلْقَى اللهَ وما عليه من خطيئة».

4. إنزال البلاء عقوبة للكافرين والمنافقين ببعض ذنوبهم في الدنيا:

كما قال تعالى: {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يخْلِفُ الْمِيعَادَ}[الرعد: 31].

5. الاستعتاب للعباد لعلهم يرجعون ويتضرعون:

كذلك كما قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[الروم: 41].

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى