برامجناكليم الله مع د علي الصلابي

تدابير الله لموسى عليه السلام

تدابير الله لموسى عليه السلام

تدابير الله لموسى عليه السلام | كليم الله (21) مع د علي الصلابي

نقلت يد القدرة الإلهية خطى موسى عليه السلام خطوة خطوة؛ منذ أن كان رضيعاً في المهد حتى المرحلة التي ألقت به في اليم ليلتقطه آل فرعون،

وألقت عليه المحبة في قلب امرأته لينشأ في كنف عدوه، ودخلت به المدينة على حين غفلة من أهلها ليقتل منهم نفساً،

وأرسلت إليه بالرجل المؤمن من آل فرعون ليحذره وينصحه بالخروج منها،

وصاحَبته في الطريق الصحراوي من مصر إلى مدين وهو وحيد مطارد من غير زاد ولا استعداد، وجمعته بالشيخ الكبير ليأجره هذه السنوات العشر،

ثم يعود بعدها فيتلقى التكليف هذا خط طويل من الرعاية والتوجيه ومن التلقي والتجريب قبل النداء وقبل التكليف،

تجربة الرعاية والحب والتدليل وتجربة الاندفاع تحت ضغط الغيظ الحبيس، وتجربة الندم والتحرّج والاستغفار،

وتجربة الخوف والمطاردة والفزع، وتجربة الغربة والوحدة والجوع، وتجربة الخدمة ورعي الغنم بعد حياة القصور،

وما يتخلل هذه التجارب الضخمة من شتى التجارب الصغيرة والمشاعر المتباينة والخوالج والخواطر، والإدراك والمعرفة ..

إلى جانب ما آتاه الله حين بلغ أشده من العلم والحكمة.

تدابير الله لموسى عليه السلام

إن الرسالة تكليف ضخم شاق متعدد الجوانب والتبعات يحتاج صاحبه إلى زاد ضخم من التجارب والإدراك والمعرفة والتذوق في واقع الحياة العملي

إلى جانب هبة الله اللّدنية ووحيه وتوجيه للقلب والضمير. (في ظلال القرآن، ٥/٢٦٩٠).

ورسالة موسى عليه السلام بالذات قد تكون أضخم تكليف تلقاه بشر -عدا رسالة محمد- ﷺ:

أيضا فهو مرسل إلى فرعون الطاغية المتجبّر، وهو كان أعتى ملوك الأرض في زمانه وأقدمهم عرشاً،

وأثبتهم ملكاً وأعرقهم حضارة، وأشدهم تعبداً للخلق واستعلاء في الأرض.

كما أنه هو مرسل لاستنقاذ قوم قد شربوا من كؤوس الذل حتى استمرأوا مذاقه،

فمردوا عليه واستكانوا دهراً طويلاً والذل يفسد الفطرة البشرية حتى تأسن وتتعفن

أيضا ويذهب ما فيها من الخير والجمال والتطلع ومن الاشمئزاز من العفن والنتن والرجس والدنس، فاستنقاذ قوم كهؤلاء عمل شاق وعسير.

وهو مرسل إلى قوم لهم عقيدة قديمة، انحرفوا عنها وفسدت صورتها في قلوبهم،

فلا هي قلوب خامة تتقبل العقيدة الجديدة ببراءة وسلامة، ولا هي باقية على عقيدتها القديمة

كذلك ومعالجة مثل هذه القلوب شاقّة وعسيرة، والالتواءات فيها والرواسب تزيد المهمة مشقة وعسراً.

وهو في اختصار مرسل لإعادة بناء أمة، بل لإنشائها من الأساس،

فلأول مرة يصبح بنو إسرائيل شعباً مستقلاً له حياة خاصة،

كذلك تحكمها رسالة وإنشاء الأمم عمل ضخم شاق عسير. (في ظلال القرآن، ٥/٢٦٩٠).

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى