المحترم (موسم رمضان) (9)
المحترم (موسم رمضان) (9) مع أيمن الباجوري
اترك مالا يعنيك
أعرض لكم حديثا نبويا عظيم الشأن يعد أصلاً عظيمًا من أصول الأدب.. كما يعلمنا كيف نَسلمُ في أنفسنا وفي أهلينا وفي معاملتنا مع الناس.. أيضا كما يعلمنا كيف نحافظ على احترام الناسِ لنا، وكيف نحافظ على محبة إخواننا لنا ومحبتنا لهم.
هذا الحديث الذي سأقف على عباراته، اعتبره بعض العلماء أنه يمثل ثلث العلم.. وعده آخرون بأنه ربع العلم أو ربع الإسلام، هذا الحديث رواه الترمذي وابن ماجه .. عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (مِنْ حسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيهِ).
قَالَ عَبْدُ اللَّه بْن أَبِي زَيْد إِمَام الْمَالِكِيَّة بِالْمَغْرِبِ فِي زَمَنه: جِمَاع آدَاب الْخَيْر يَتَفَرَّع مِنْ أَرْبَعَة أَحَادِيث: وذكر منها َقَوْله صلى الله عليه وسلم : (مِنْ حسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيهِ).
وقال أبو دَاوُدَ صاحب السنن: كَتَبْت عَنْ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم خَمْسمِائَةِ أَلْف حَدِيث، الثَّابِت مِنْهَا أَرْبَعَة آلاف حَدِيث, وَهِيَ تَرْجِع إِلَى أَرْبَعَة أَحَادِيث قَوْله عَلَيْهِ الصَّلاة وَالسَّلام (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ) وَقَوْله (مِنْ حسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيهِ) وَقَوْله (الْحَلالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ) وَقَوْله (لا يَكُون الْمَرْء مؤْمِنًا حَتَّى يَرْضَى لأَخِيهِ مَا يَرْضَى لِنَفْسِهِ) وَروِيَ مَكَان هَذَا (اِزْهَدْ فِي الدُّنْيَا يحِبَّك اللَّهُ)
المحترم (موسم رمضان) (9)
إذا فهذا الحديث ينهى المسلم عن التكلم فيما لا يعنيه.. كذلك ويبين أن من كمال إسلام المرء تركه ما لا تتعلق عنايته به.. أيضا ومَعْنَى أن تترك مَا لا يَعْنِيك: أَيْ مَا لا يهِمُّك وَلا يَلِيقُ بِك قَوْلاً وَفِعْلاً وَنَظَرًا وَفِكْرًا.
وَحَقِيقَةُ مَا لا يَعْنِيك هو مَا لا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي ضَرُورَةِ دِينِك وَدنْيَاك وَلا يَنْفَعُك فِي مَرْضَاةِ ربك.
قال ابن رجب رحمه الله: “وأكثر ما يراد بترك ما لا يعني حِفظُ اللسان من لغو الكلام” اهـ.
أيضا فإن من يقرأ هذا الحديث يرى الأمر سهلا لأول وهلة، فكل إنسان يرى أنه يستطيع ترك ما لا يعنيه.. لكن عندما يدرك أن حب الفضول صفة غالبة في الإنسان يتبين أنه لا بد من مجاهدة النفس حتى تستقيم على هذا الأدب.. ولذلك وصف النبي صلى الله عليه وسلم من تغلب على فضوله ولم يتدخل في ما لا يعينه بأن إسلامه تام وحسن.. أيضا وأنه وصل إلى درجة عالية من الإتباع.
كما أن ديننا يولي الجانب الأخلاقي عناية تامة.. بل تقوم أحكامه على رعاية الأخلاق والمحافظة عليها.. ولذلك نُهينا عن الفضول وحب التدخل في كل شيء .. أيضا لأنه يهدر ماء الوجه، ويقلل قيمة الإنسان الأخلاقية، ويقلل من كرامته في مجتمعه.