المحترم (موسم رمضان) (4)
المحترم (موسم رمضان) (4) مع أيمن الباجوري
حكم الشكوى للمخلوق
فإن الأفضل للمخلوق أن لا يشكو إلا إلى الله تعالى, كما قال يعقوب عليه السلام: إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ {يوسف:86}
وقال تعالى في شأن خوله بنت ثعلبة – رضي الله عنها -: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ {المجادلة1 } وأخبر عن أيوب – عليه الصلاة والسلام -: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ {الأنبياء:83}
ولا ينبغي أن يشكو للمخلوق شيئًا من الأحداث الحاصلة بقدر الله، فإن الله أرحم بالخلق من الخلق, وأقدر على إزالة ما بهم من الضر, ويمنع التشكي الذي يدل على التضجر من قضاء الله وتسخط القدر، فعدم الرضى بالقدر حرام، وقد قال ابن القيم في الفوائد: الجاهل يشكو الله إلى الناس، وهذا غاية الجهل بالمشكو والمشكو إليه؛ فإنه لو عرف ربه لما شكاه، ولو عرف الناس لما شكا إليهم، ورأى بعض السلف رجلًا يشكو إلى رجل فاقته وضرورته، فقال: يا هذا, والله ما زدت على أن شكوت من يرحمك, وفي ذلك قيل:
إذا شكوت إلى ابن آدم إنما * تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم
المحترم (موسم رمضان) (4)
أيضا والعارف إنما يشكو إلى الله وحده, وأعرف العارفين من جعل شكواه إلى الله من نفسه لا من الناس.. كذلك فهو يشكو من موجبات تسليط الناس عليه.. أيضا فهو ناظر إلى قوله تعالى: “وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم” وقوله: “وما أصابك من سيئة فمن نفسك“، وقوله: “أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم” فالمراتب ثلاثة: أخسها أن تشكو الله إلى خلقه، وأعلاها أن تشكو نفسك إليه، وأوسطها أن تشكو خلقه إليه. اهـ
كذلك وأما ما يستطيع المخلوق المساعدة فيه فلا حرج في الاستعانة بالمخلوق فيه.. فيمكن الاستعانة بالحاكم في رفع الظلم, وبالطبيب, أو الوالد في علاج المرض والألم.. كذلك فقد روى البخاري في الأدب المفرد والحاكم عن أبي هريرة – رضي الله عنه .. أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فشكا إليه جاره فقال: يا رسول الله, إن جاري يؤذيني.. فقال: أخرج متاعك فضعه على الطريق. فأخرج متاعه فوضعه على الطريق, فجعل كل من مر عليه قال: ما شأنك؟ قال: إني شكوت جاري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فأمرني أن أخرج متاعي فأضعه على الطريق, فجعلوا يقولون: اللهم العنه, اللهم اخزه, قال: فبلغ ذلك الرجل فأتاه, فقال: ارجع, فوالله لا أؤذيك أبدًا… صححه الحاكم, وسكت عنه الذهبي.. كما وقال الألباني في تحقيقه الأدب المفرد: حسن صحيح