المحترم حلقة 11
المحترم (موسم رمضان) (11) مع أيمن الباجوري | قناة دعوة
فإنَّ الله تعالى خلق الله الخلق لعبادته، والعبادة قائمة على أمرين: أمر ونهي، قال تعالى: }أيحسب الإنسان أن يترك سدى{ [القيامة/36]،
قال الشافعي رحمه الله: “لا يؤمر ولا ينهى”، ولولا مراقبة العبد لربه لما تأتى له فعل الأمر والكف عن المحرمات.
وهذه مقالة عن المراقبة ضمنتها أموراً ستةً: معنى المراقبة، وثمارها،
كذلك وذم التخلي عنها، وسبيل تحقيقها، وسبيل تربية أولادنا عليها، وخبر الصالحين في هذا الباب.
أيضا وقبل أن أشرع في المقصود أسأل الله تعالى أن يجعلها لوجهه خالصةً، وأن يعظم النفع بها.
معنى المراقبة:
دوام علمِك بأن الله لا يخفى عليه شيءٌ من أمرك.
قال ابن المبارك لرجل: راقب الله تعالى، فسأله عن تفسيرها فقال:
كن أبدا كأنك ترى الله عز وجل.
وسئل الحارث المحاسِبي عن المراقبة فقال: علم القلب بقرب الله تعالى([3]).
ثمرات المراقبة:
1/ الإيمان.
فعن عبد الله بن معاوية رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاثٌ من فعلهنَّ فقد طَعِم طعمَ الإيمان:
من عبد الله وحده وأنه لا إله إلا الله. وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه، رافدةً عليه كلَّ عام، ولا يعطي الهرِمَة، ولا الدَّرِنَة،
ولا المريضة، ولا الشَّرَطَ اللئيمة، ولكن من وسط أموالكم، فإن الله لم يسألكم خيره ولم يأمركم بشره. وزكـى نفسه».
فقال رجل: وما تزكية النفس؟ فقال: «أن يعلم أن الله عز وجل معه حيث كان» رواه أبو داود، والطبراني في الأوسط، والبيهقي.
وعلمُك بأنَّ الله معك يعني مراقبتك لله، فمن فعل ذلك وجد حلاوة الإيمان بالله.
2/ البعد عن المعصية.
ودليله حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظلّه: الإمام العادل،
وشاب نشأ بعبادة الله، ورجل قلبه معلَّّق في المساجد، ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه،
ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله» متفق عليه. فهذا الرجل الذي دعته المرأة لم ينأ عن سبيلها إلا بمراقبة ربه.
كذلك وقال نبينا صلى الله عليه وسلم: «قالت الملائكة ربّ! ذاك عبدك يريد أن يعمل سيئة (وهو أبصر به) فقال: ارقبوه،
فإن عملها فاكتبوها له بمثلها، وإن تركها فاكتبوها له حسنة. فإنه تركها من جَرَّاي» رواه مسلم. وما نزعُه إلا برقابة ربِّه.
أيضا قال حميد الطويل لسليمان بن علي: عظني. فقال: لئن كنت إذا عصيت خاليا ظننت أنَّه يراك لقد اجترأت على أمر عظيم، ولئن كنت تظن أنه لا يراك فلقد كفرت.
المحترم حلقة 11
كما قال ابن القيم رحمه الله: “وأرباب الطريق مجمعون على أن مراقبة الله تعالى في الخواطر سبب لحفظها في حركات الظواهر،
أيضا فمن راقب الله في سره حفظه الله في حركاته في سره وعلانيته”
وذلك أنّ الشيطان إذا لم يُستجب له في أمر معصية فإنه يدعو إلى طرقها وذرائعها، ومبدأ ذلك فكرة يلقي بها في روعِك،
كذلك فإذا حرس الإنسان خاطره، وألقى عنه وساوس عدوِّ الله فقد قطع عليه السبيل، وجعل بينه وبينه حاجزاً فلم يحظ بمرادِه منه.
أيضا وقيل لبعضهم: متى يهش الراعي غنمه بعصاه عن مراتع الـهَلَكة؟ فقال: إذا علم أنَّ عليه رقيباً.
3/ تحسين العبادة وأداؤها على أكمل وجه.
كما أن نبينا صلى الله عليه وسلم ذكر تعريف الإحسان بقوله: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» متفق عليه.
إذا فالمرتبة الأولى عبادة شوق وطلب، فإن تعذَّر عبدتَ عبادة خوف وهرب. فالحديث صريح في أن مراقبة الله تدعو إلى تحسين العبادة.
كما قال ابن منظور رحمه الله: “من راقب الله أحسن عمله”.
عن معاذ رضي الله عنه قال: يا رسول الله، أوصني. قال: «اعبد الله كأنَّك تراه، واعدُد نفسك من الموتى،
وإن شئت أنبأتك بما هو أملك بك من هذا كلِّّه، هذا» وأشار بيده إلى لسانه. رواه ابن أبي الدنيا.
4/ تورث الإخلاص.
أيضا فقد قال الحسن رحمه الله: “رحم الله عبدا وقف عند همِّه، فإن كان لله مضى، وإن كان لغيره تأخر”.