برامجناكليم الله مع د علي الصلابي

أم تفقد ولدها

أم تفقد ولدها

أم تفقد ولدها | كليم الله (10) مع د علي الصلابي

ألهم الله تعالى أم نبيِّ الله موسى عليه السلام، إن هي خشيَت عليه من بطش فرعون وجنده؛ أن تضعه في التابوت ثم تلقيه في اليمّ!

فأي فؤاد يحتمل هذا المشهد الفظيع؟! وأي يد تملك أن تلقيَ بفلذة كبدِها إلى قعر البحر؟!

كذلك وأي عين تطيق النظر إلى طفل رضيع تحوطه المياه من الجهات الأربع، وتقذف به إلى المصير المجهول؟!

ها هي أمّه أرحم الخلق به؛ تلفّه بخرقة صغيرة وتضعه في التابوت، وتنزلُه الهوينى إلى سطح البحر،

وأمواج البحر يجرّ بعضها بعضاً في شوقٍ إلى احتضان الطفل الذي سيصبحُ نبيّاً يوماً من الدهر،

والأم تخشى على رضيعها من البلَل.. ولكنها استودعته الله، والله يرحم.. وفرعون لا يرحم.

إنه المشهد الأشدّ إيلاماً.. حيث تفقد الأم ولدها من غير أن تعرفَ مصيره، أو تسمع شيئاً ولو يسيراً من أخباره.

وكأنّي أنظر إليها جالسةً بفناء بيتها المكلوم، تشم رائحة طفلها في شيء من آثاره،

وترى طيفه الجميل بين يديها، وتستمتع ولو بسماع ألحان صدى بكائه الحزين..

إنها تستذكرُ أياماً يسيرة عاشتها مع طفلها الرضيع.. ربما لا تذكر إلا صوت نشيجه،

أو تقاطيع وجهه التي لم تكتمل.. فخشيتها من الطغاة لم تدع لها مجالاً لأكثر من ذلك.

مرّت الأيام على أم موسى كالسنين الطوال، وصورة طفلها لا تفارق فؤادَها وعينيها،

والحزنُ يخطّ على خدّيها أخاديد الأسى، ويرسم على محيّاها صورة امرأة هدتها لوعة الفراق،

وحطمتها مرارة الأحزان، ولكنها تسلّي نفسها بـ”إنّا رادّوه إليكِ وجاعلوهُ من المرسلين”.

تسأل نفسها بين الحين والآخر: لماذا ألقيتُ ولدي في اليمّ؟ وإلى أين يصير؟

وكيف يعود؟ ومتى؟ ومن سيحميه إذا عاد؟ ولكنها تستغفر كلّما تذكّرت “إنا رادوه إليكِ”.

في غمرة هذه الأحزان والأشجان، وفؤاد أم موسى يتأرجح بين الألم والصبر؛

وصلتها الأخبار عن ولدها الذي تتحرق شوقاً إلى سماع أي شيء عنه،

أم تفقد ولدها

وما أن كادت تمسك بزمام ابتسامة مترددة تكاد ترتسم على شفتيها؛ حتى أفلتت منها كلمح البصر؛

حيث إنها علمت أن ولدها (موسى) استقر في بيت قاتل الأولاد (فرعون) الذي ألقت طفلها في اليم خشية عليه منه.

أي ابتلاء هذا الذي حاصر هذه المرأة المسكينة من كل الجهات؟! وأي امرأة هذه التي تصبر على مصاب يخرّ لأجله كثيرٌ من عتاولة الرجال؟!

ولكن.. رغم أن الله أوحى إليها – بإلهامٍ أو رؤيا أو إخبار مَلَك (على اختلاف بين المفسِّرين) – أنْ لا تخافي “ولا تحزني إنا رادّوه إليكِ وجاعلوه من المرسلين”.

إلا أن فؤادها أصبح فارغاً.. لا شيء فيه من أمر الدنيا إلا ذكر موسى.. حزناً عليه, وفَرَقاً على فِراقه.

قال سعيد بن جبير: (فارغاً: والهاً، كادت تقول: واإبناه؛ من شدّة الجزع).

حتى إن خوفها عليه كاد يغريها أن تعترف بما صنعت، وتظهر أمر ولدها لفرعون.

ولكن الله ربط على قلبها بالصبرِ واليقين “إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين”.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى