قضايا قرآنية الحلقة 10
الحلقة 10
4 views
العمل في الإسلام ليس مجرد وسيلة لكسب الرزق، بل هو عبادة وجهاد وسعي نحو عمارة الأرض. وقد أبرز القرآن الكريم أهمية العمل بمنظور شمولي، يربط بين الدنيوي والأخروي، ويجعل السعي والاجتهاد أساسًا للنجاح في الدارين. فكيف نظر القرآن إلى العمل؟ وما الفرق بين العمل للدنيا والعمل للآخرة؟ وأيهما أولى؟
يُعرِّف القرآن العمل بأنه كل فعل نافع، سواء كان ماديًا أو معنويًا، دنيويًا أو أخرويًا. وقد ربط الله تعالى بين العمل الصالح والفلاح في الآخرة، كما في قوله:
﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ (النحل: 97).
لكن القرآن لم يقتصر على العمل الأخروي فقط، بل شمل أيضًا العمل الدنيوي، كما في قصة داود وسليمان عليهما السلام، حيث امتزجت العبادة بالصناعة والاقتصاد والإدارة.
العمل الدنيوي: هو كل سعي لتحصيل المنافع المادية، مثل الزراعة، التجارة، الصناعة، وغيرها. وهذا العمل مطلوب شرعًا إذا قُصد به الإعانة على طاعة الله وعمارة الأرض.
العمل الأخروي: هو كل عبادة وقربة يتقرب بها العبد إلى الله، كالصلاة، الصدقة، الدعوة إلى الله، وغيرها.
لكن القرآن لا يفصل بينهما تمامًا، بل يجعلهما متكاملين، فالعمل الدنيوي يصبح عبادة إذا نُوي به وجه الله، والعمل الأخروي يعود بالنفع على الدنيا بالبركة والاستقرار.
القرآن يوجه المسلم إلى التوازن:
لا إفراط: فلا ينشغل بالدنيا حتى ينسى الآخرة، كما في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ﴾ (المنافقون: 9).
لا تفريط: فلا يترك الدنيا بحجة التفرغ للعبادة، فقد قال النبي ﷺ: «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا».
داود عليه السلام: كان يصنع الدروع ويأكل من كسب يده، مع كونه نبيًا وملكًا.
سليمان عليه السلام: جمع بين النبوة والملك، وأتقن الإدارة والاقتصاد.
ذي القرنين: بنى السدود وعمر الأرض، وكان من عباد الله الصالحين.
العمل في القرآن ليس ثنائية (دنيا vs آخرة)، بل هو تكامل. المسلم مطالب بأن يكون عاملاً نشيطًا في دنياه، دون أن يغفل عن آخرته. فالإسلام دين الجد والعمل، والنجاح الحقيقي هو ما جمع بين صلاح الدنيا وفلاح الآخرة.
لا توجد توصيات بعد.