فواصل الحج

فواصل الحج مع د مروة إبراهيم : رحلة الإيمان والتجرد والوحدة

فواصل الحج-الحج ركن عظيم من أركان الإسلام، فريضة شرعها الله تعالى على كل مسلم ومسلمة {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (آل عمران: 97). لكنه ليس مجرد رحلة إلى مكة، بل هو محطة روحية تعيد صياغة القلوب، وتجمع شعوبًا تُلبي نداء الرب الواحد، وتُذكّرنا بأننا أمة واحدة فوق الفوارق.

1. شعوب تُلبي: الوحدة فوق كل الحدود

عندما يصرخ الحجاج "لبيك اللهم لبيك" بأعلى صوت، تذوب الفروق بين الغني والفقير، الأبيض والأسود، العربي والأعجمي. الجميع يرتدون لباسًا واحدًا، يقفون في مكان واحد، ويرفعون أيديهم إلى إله واحد. هذه هي القوة الحقيقية للحج؛ ففي عرفات، يتجسد قول الرسول ﷺ: "لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى".

2. لمن استطاع إليه سبيلا: التيسير لا التعسير

الحج فريضة على القادر فقط، لأن الإسلام دين يسر. {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (البقرة: 286). فمن لم يستطع حجًّا لمرض أو فقر، فلا حرج عليه، لكن من ملك الصحة والمال ولم يحج، فقد ترك فريضة عظيمة. وهنا يُذكرنا الحج بأن النجاح في الدنيا ليس بالمال وحده، بل بالاستعداد للآخرة.

3. الحج مدرسة: دروس لا تُنسى

• الصبر: من الطواف والسعي إلى الوقوف تحت أشعة الشمس، الحج تدريب عملي على تحمل المشاق.
• التواضع: عندما يخلع الحاج ملابسه ويرتدي الإحرام، يتذكر أنه خلق من تراب وإلى التراب يعود.
• الإنفاق: التضحية بالهدي والصدقات تعلّمنا البذل من أجل الله.

4. لَبُّوا بأعلى صوت: إعلان التوحيد

نداء "لبيك اللهم لبيك" ليس مجرد كلمات، بل هو استجابة من القلب، إعلان بالولاء لله وحده. لو رأيت الحجاج وهم يهتفون بهذه الكلمات، لشعرت بقوة الإيمان تهز المشاعر. هذا النداء يحرّك المشاعر ويُذكّرنا بأن الحياة الحقيقية هي في طاعة الله.

5. خليك جوه الحدث: عِش اللحظة

الكثيرون يحجّون بأجسادهم لكن عقولهم في الدنيا! الأفضل أن تعيش كل لحظة في الحج بتدبر:

• في الطواف: تذكّر ملائكة يطوفون حول العرش.
• عند السعي: استحضر همّة هاجر وهي تبحث عن الماء لابنها إسماعيل.
• في عرفات: ادعُ الله بقلب حاضر، فهذا اليوم هو خير الدنيا والآخرة.

6. الجنة بسهولة: اغتنم المغفرة

قال النبي ﷺ: "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" (متفق عليه). فمن حج ولم يرفث ولم يفسق، عاد كيوم ولدته أمه. الفرصة ذهبية؛ فكم من أشخاص حجوا ثم ماتوا، فكان حجهم آخر عملهم!

 الحج بداية جديدة

الحج ليس نهاية المطاف، بل محطة لتجديد الإيمان. إذا عدت من الحج، فليكن قلبك عامرًا بالتقوى، وجوارحك مستعدة للطاعة. ولو لم تحج بعد، فاستعد له ماديًا وروحيًا، وادعُ الله أن يكتبه لك.

"لبيك اللهم لبيك... هذه كلمات لا تقال باللسان فقط، بل تُختبر بالقلب والروح."