النفس المفلحة
ومضات نفسية مع د شادي ظاظا | الحلقة الثالثة (النفس المفلحة)
إذا لقد أقسم الله -جل وعلا- في القرآن بآياتٍ باهرات، ومخلوقاتٍ عظيمات، ودلائل متنوعات على النفس المفلحة وغير المفلحة،
كما قال الله -تبارك وتعالى-: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)[الشمس: 1-10]؛
أفلح من زكى نفسه بأن رفعها عن الدنيء والخسيس، وجعلها متصفةً بعالي الخصال، وكريم الصفات،
ذلك بإن المؤمن يعلم أن نفسه بيد الله، وأن فلاحه وصلاحه منَّة منه جل في علاه؛
أيضا ولهذا فإنه لا يطلب صلاح نفسه إلا من جهة ربه الذي بيده أزمة الأمور ومقاليد السموات والأرض،
كما قال الله -تعالى-: (بَلِ اللَّهُ يزَكِّي مَنْ يَشَاءُ)[النساء: 49]،
وقال الله -تبارك وتعالى-: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يزَكِّي مَنْ يَشَاءُ)[النور: 21].
أيضا والمؤمن -عباد الله- الباحث عن تزكية نفسه لا يفتر من الدعاء والالحاح على الله -عز وجل-
بأن يؤتيه زكاة نفسه، وأن يسلِّمه من ضد ذلك؛
ففي صحيح مسلم من دعاء نبينا -عليه الصلاة والسلام-: “اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاَهَا”،
كذلك والقرآن الكريم هو كتاب التزكية ومنبعها ومعِينها وموردها؛ فلا زكاة تنال إلا بقراءة القرآن،
أيضا وحسن تلاوته، وتمام تدبره، وعقل معانيه، والعمل بما جاء فيه،
ويتطلب هذا المقام -مقام تزكية النفس- أن يتخذ المرء لنفسه أسوة يقتدي بها لتزكو نفسه، ولتطيب أعماله، وليبتعد عن الخسيس والرديء،
النفس المفلحة
قال الله -تعالى-:
(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)[الأحزاب: 21]،
فكلما كان المرء عظيم العناية بسيرة الرسول -عليه الصلاة والسلام- وهديه القويم،
وسير أصحابه الكرام وتابعيهم بإحسان متخذًا من ذلك قدوةً وأسوة كان ذلك أعظم في تزكية نفسه وصلاحها، وبعدها عن ضد ذلك.
والتزكية للنفس تتناول أمران: إبعادها عن الخسائس، والأمور الحقيرات، وتحليتها وتجميلها بالطيب من الخصال، والكامل الجميل من الأعمال.
ومقام التزكية ولا سيما في زماننا هذا الذي تكاثرت فيه الفتن، وتواردت أبواب الشبهات والشهوات
يتطلب ممن يريد زكاة نفسه أن يغلق منافذ الشر، وأن يقفل أبواب الفساد لينجو من الهلاك،
أما من أرخى لنفسه العِنان وأطلق لها الزمام وتركها ترتع فيما تريد من أهواء وشهوات، ونحو ذلك،
فإنه بذلك يدسّي نفسه، ويحقرها ويبعدها تماما عن التزكية والفلاح.