فوكزه موسى
كليم الله (13) مع د علي الصلابي
القول في تأويل قوله تعالى :
وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ
فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15)
يقول تعالى ذكره: (ودخل) موسى (المدينة) مدينة منف من مصر ( على حين غفلة من أهلها ) وذلك عند القائلة، نصف النهار.
واختلف أهل العلم في السبب الذي من أجله دخل موسى هذه المدينة في هذا الوقت, فقال بعضهم: دخلها متبعا أثر فرعون,
لأن فرعون ركب وموسى غير شاهد; فلما حضر علم بركوبه فركب واتبع أثره, وأدركه المقيل في هذه المدينة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السدي, قال: كان موسى حين كبر يركب مراكب فرعون,
كذلك ويلبس مثل ما يلبس , وكان إنما يُدعى موسى بن فرعون, ثم إن فرعون ركب مركبا وليس عنده موسى;
فلما جاء موسى قيل له: إن فرعون قد ركب, فركب في أثره فأدركه المقيل بأرض يقال لها منف, فدخلها نصف النهار,
وقد تغلقت أسواقها, وليس في طرقها أحد, وهي التي يقول الله: ( ودخل الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غفلة مِنْ أَهْلِهَا ).
وقال آخرون:
بل دخلها مستخفيا من فرعون وقومه, لأنه كان قد خالفهم في دينهم, وعاب ما كانوا عليه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق, قال: لما بلغ موسى أشده واستوى, آتاه الله حكما وعلما,
فوكزه موسى
فكانت له من بني إسرائيل شيعة يسمعون منه ويطيعونه ويجتمعون إليه, فلما استد رأيه, وعرف ما هو عليه من الحقّ,
رأى فراق فرعون وقومه على ما هم عليه حقا في دينه, فتكلم وعادى وأنكر, حتى ذكر منه, وحتى أخافوه وخافهم,
حتى كان لا يدخل قرية فرعون إلا خائفا مستخفيا, فدخلها يوما على حين غفلة من أهلها.
وقال آخرون: بل كان فرعون قد أمر بإخراجه من مدينته حين علاه بالعصا, فلم يدخلها إلا بعد أن كبر وبلع أشده.
قالوا: ومعنى الكلام: ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها لذكر موسى: أي من بعد نسيانهم خبره وأمره.
* ذكر من قال ذلك:
– حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( على حين غفلة من أهلها ) قال: ليس غفلة من ساعة, ولكن غفلة من ذكر موسى وأمره.
وقال فرعون لامرأته: أخرجيه عني, حين ضرب رأسه بالعصا, هذا الذي قتلت فيه بنو إسرائيل,
فقالت: هو صغير, وهو كذا, هات جمرا, فأتي بجمر, فأخذ جمرة فطرحها في فيه فصارت عقدة في لسانه, فكانت تلك العقدة التي قال الله
واحلل عقدة مِنْ لِسَانِي * يفقهوا قَوْلِي قال: أخرجيه عني, فأخرج, فلم يدخل عليهم حتى كبر, فدخل على حين غفلة من ذكره.