زاد المسافر
أخرج الإمامُ البُخاري -رحمه الله- في صحيحه أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
(سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ، يَومَ القِيَامَةِ في ظِلِّهِ، يَومَ لا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ اللَّهِ،
وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ في خَلَاءٍ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسْجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا في اللَّهِ،
وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ إلى نَفْسِهَا، قالَ: إنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فأخْفَاهَا حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما صَنَعَتْ يَمِينُهُ).
والجامِعَ بينَ هذه الأصناف السَّبعة، هو مجاهدةُ النَّفسُ، والانتصار على حبِّ الدُّنيا والتَّعلُّق بها، و يرى جمهور من العلماء،
شمول الحديثِ في معناه، لأصنافٍ غيرَ السَّبعة المذكورة، ليزيدَ عليهم ما كان من شأنه تحقيقُ المعنى.
الإمام العادل
إنَّ الفئة الأُولى من الفئاتِ المعنيَّة في الحديث هي الإمام العادل، وهو والي أمر المسلمين الذي يقيمُ شرعَ الله -تعالى- فيهم،
ويسعى لتحقيق مصالِحهم ودرءِ المفاسِد عنهم، وينصرُ المظلومَ منهم وينصحُ السائِلَ، ويأخذُ بيدِ المُحتاجينَ والفقراء،
كما أنه يدخل في حكمه كل من تولى أمر فئة من الناس؛ كالملكِ والوزيرِ والنواب إن هم عدلوا واتقوا الله -تعالى-.[٤]
أيضا وقد تقدمت هذه الفئة على سائر الفئاتِ الأُخرى في الحديثِ لعمومِ نفعها، إذ يرتبط صلاح الرعية بصلاحِ الراعي،[٥]
ومن النَّماذجِ الخيِّرة لذلكَ الخليفةُ الأوَّل بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
كذلك أبو بكر الصديق، ثم عمر بن الخطَّاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طال -رضي الله عنهم أجمعين- وغيرهم من الخلفاء،
إذ كان فيهم خير مثال للإمام العادل المتَبع للقرآنِ الكريمِ والسنة الشريفة.[٦]
الشاب الناشئ في عبادة الله
أيضا ومن الـ7 يظلهم الله تحت ظله، الذين شبوا على حب الله -تعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم-،
كذلك ويقتدون به في أمورِ حياتهم، والذين يتمتَّعونَ بالأخلاقِ الحسنة، وينتهون عن صغائر الذّنوبِ وكبائرها.
زاد المسافر
رجل ذكر الله في خلاء ففاضت عيناه
الذين يتقون الله في الخلوات، و يتذكر أن الله -عز وجل- ذا القوة والجبروت يراقبه في سره وعلنه،
كما استحضر عظمته وعذابه وقوته. وخشي أن يمسه منه شيء وبكى من خوفه وشوقه لخالقهِ.
رجل تعلَّق بالمسجد
إذا المساجد هي بيوت الله -عزَّ وجل-، وفيها يشعر المسلم بالسكينة والطمأنينة، ولطالما كانت المساجدُ مِركزاً دينيَّاً واقتصاديَّاً وسياسيَّاً،
إذ يجتمع فيها المسلمون لحفظ كتاب الله وتدارس آياته، ومن المسلمين من يصل ارتباطه بالمسجد درجةَ التعلق فيه، إذ لا يبرح أن يغادره حتى يعود إليه من شوقه وحبه له.
رجلان تحابا في الله
أيضا فالحب في الله يكون سبب، الاستظلالِ بظله يوم القيامة، خاصة لو كان حب غير مشروطٍ، وقتما حصل أحدهما على مبتغاه من الآخر تركه،
إذ يحبان بعضهما لارتباطهما بالله، فإذا اجتمعا كانا على طاعة، وإذا تفرقا كانا على طاعة.
رجل يخاف الله من فتنة النساء
من الـ7 يظلهم الله تحت ظله، الرِّجال المتورعين عن الزِّنا، وقد وضع الحديث،
أن المرأةَ ذات النسب، والمالِ والجمالِ مطلوبةٌ، ويسعى جميعُ الرِّجال للزواج منها،
ولكن المسلمَ يأبى أن يزني بمثلها، إذ تفوز خشية الله -عز وجل- في قلبه على حب العلاقات المحرمة.
رجل ينفق في سبيل الله
من الـ7 يظلهم الله تحت ظله، المنفقينَ في سبيلِ الله ، ويقصد فيه الرِجال والنساء،
كذلك وذكر أهمية إخفاء الصدقة، جاء تأكيداً للإخلاصِ فيها وترك الرّياءِ، وطلب السمعة والظهورِ،
فالرِّياءُ من أخطرِ الأمراض، إذ يحب الإنسان أن يتلقى المديحَ، ومجاهدته لنفسه تجعله من أهل هذا الحديثِ،
أيضا وهي علامةٌ على قوة الايمان والإخلاصِ لله -عز وجل-.