أسرار قيام الليل
أسرار قيام الليل | زاد المسافر (23) | مع الشيخ عبد الخالق الشريف
قيام الليل وما أدراك ما قيام الليل، إنه سنة الانبياء والعظماء، والأصفياء،
التي تخرج فيها صفوة الصفوة من الأولين، والآخرين. ولو لم يكن في قيام الليل من الفضل
إلاَّ أن الله تعالى ربط به تشريف محمد صلى الله عليه وسلم بالمقام المحمود، لكفاه شرفاً وفضلاً،
إذ قال: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} [الإسراء:79]، وهي الشفاعة العظمى، يوم القيامة.
أيضا وقد علم العارفون أنَّ قيام الليل مدرسة المخلصين، ومضمار السابقين،
وأنّ الله تعالى إنما يوزع عطاياه، ويقسم خزائن فضله في جوف الليل، فيصيب بها من تعرض لها بالقيام،
ويحرم منها الغافلون والنيام وما بلغ عبد الدرجات الرفيعة، ولا نور الله قلبا بحكمة، إلا بحظ من قيام الليل.
والسر في ذلك أن العبد يمنع نفسه ملذات الدنيا، وراحة البدن، ليتعبد لله تعالى،
أيضا فيعوضه الله تعالى خيراً مما فقد. وذلك يشمل نعمة الدين، وكذلك نعمة الدنيا،
ولهذا قال الإمام ابن القيم رحمه الله: “وأربعة تجلب الرزق: قيام الليل، وكثرة الاستغفار بالأسحار، وتعاهد الصدقة، والذكر أول النهار، وآخره.”
كما قال: “ولا ريب أن الصلاة نفسها فيها من حفظ صحة البدن، وإذابة أخلاطه، وفضلاته،
ما هو من أنفع شيء له، سوى ما فيها من حفظ صحة الإيمان، وسعادة الدنيا، والآخرة،
وكذلك قيام الليل من أنفع أسباب حفظ الصحة،
أيضا ومن أمنع الأمور لكثير من الأمراض المزمنة، ومن أنشط شيء للبدن، والروح، والقلب”.
أسرار قيام الليل
ولهذا لا تجد أصح أجساداً من قوام الليل، ولا أسعد نفوسا، ولا أنور وجوها، ولا أعظم بركة في أقوالهم، وأعمالهم، وأعمارهم، وآثارهم على الناس.
وقوام الليل أخلص الناس في أعمالهم لله تعالى، وأبعدهم عن الرياء، والتسميع، والعجب، وهم أشد الناس ورعا وأعظمهم حفظا لألسنتهم،
وأكثرهم رعاية لحقوق الله تعالى، والعباد، وأحرصهم على العمل الصالح.
ولابد من تذكرة أخيرة وهي انه صلى الله عليه وسلم لم يترك هذه السنة قط في حياته؛ لا في مرض، ولا في كسل، ولا في غيره، وهي سنة قيام الليل؛
فقد روى أبو داود -وقال الالباني صحيح- عن عبد اللَّهِ بن أبي قيس، يقول: قالت عائشة رضي الله عنها:
“لا تدع قيام الليل، فإن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «كان لا يدعه، وكان إِذا مرض، أو كسل، صلى قاعدا»”.
وكان ينصح أصحابه بالحفاظ عليه، وعدم التذبذب في أدائه، فقد روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرِو بن العاص رضي اللَّهُ عَنْهُمَا،
قال: قال لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا عَبْدَ اللَّهِ، لاَ تكن مِثْلَ فُلاَنٍ كان يقوم اللَّيْلَ، فترك قِيَامَ اللَّيْلِ»