المحترم (موسم رمضان) (3)
المحترم (موسم رمضان) (3) مع أيمن الباجوري
الحسد والعين
إذا فقد اختلط عليه موضوع الحسد بموضوع العين، وسوف نبين له المقصود بكل منهما، والعلاقة بينهما.
أيضا فالمقصود بالحسد -كما قال العلماء- هو: تمني الحاسد زوال نعمة المحسود.. وإن لم يصل للحاسد منها شيء، ويقال لصاحبه: حاسد.
كما جاء في إحياء علوم الدين للإمام الغزالي -رحمه الله تعالى- عند تعريف الحسد .. قال: فالحسد حدُّه كَرَاهَةُ النِّعْمَةِ، وَحُبُّ زَوَالِهَا عَنِ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِ. انتهى.
أيضا وقال النووي -رحمه الله تعالى- في رياض الصالحين: الْحَسَدُ هوَ تَمَّنِي زَوَالِ النِّعْمَةِ عَنْ صَاحِبِهَا، سواءٌ كَانَتْ نعمة دينٍ، أَوْ دنيا. انتهى.
كذلك وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير: وَالْحَسَدَ تَمَنِّي زَوَالَ النِّعْمَةِ عَنِ الْمَحْسُودِ. انتهى.
المحترم (موسم رمضان) (3)
أما العين: فهي قوة نفسية تؤثر في الأبدان، والنفوس، ويقال لصاحبها عائن.. كذلك وكثيرًا ما كان الحسد سببًا لتسلط العائن على صاحب النعمة، فيضره بهذه القوة النفسية.
كما قال عنها ابن القيم في الطب النبوي: وَهِيَ سِهَامٌ تَخْرُجُ مِنْ نَفْسِ الْحَاسِدِ.. أيضا وَالْعَائِنِ نَحْوَ الْمَحْسُودِ، وَالْمَعِينِ تصِيبُهُ تَارَةً، وَتخْطِئُهُ تَارَةً، فَإِنْ صَادَفَتْهُ مَكْشُوفًا لَا وِقَايَةَ عَلَيْهِ، أَثَّرَتْ فِيهِ. انتهى.
كذلك وقال أيضا: فَكُلُّ عَائِنٍ حَاسِدٌ، وَلَيْسَ كُلُّ حَاسِدٍ عَائِنًا، فَلَمَّا كَانَ الْحَاسِدُ أَعَمَّ مِنَ الْعَائِنِ كَانَتِ الِاسْتِعَاذَةُ مِنْهُ اسْتِعَاذَةً مِنَ الْعَائِنِ. انتهى.
أيضا وبهذا تعلم أن الحسد غير العين، وأن الحاسد غير العائن.. لكن بينهما علاقة، وهي كما قال ابن القيم في زاد المعاد: الحسد أصل الإصابة بالعين.. كما قال بعضهم: العين نظر باستحسان قد يشوبه شيء من الحسد، ويكون الناظر خبيث الطبع…. انتهى.
وأما كيف يضر الحاسد المحسود؟ فقد بينه ابن القيم في زاد المعاد .. حيث قال: فَإِنَّ النَّفْسَ الْخَبِيثَةَ الْحَاسِدَةَ تَتَكَيَّفُ بِكَيْفِيَّةٍ خَبِيثَةٍ، وَتُقَابِلُ الْمَحْسُودَ، فَتُؤَثِّرُ فِيهِ بِتِلْكَ الْخَاصِّيَّةِ.. وَأَشْبَهُ الْأَشْيَاءِ بِهَذَا الْأَفْعَى، فَإِنَّ السُّمَّ كَامِنٌ فِيهَا بِالْقُوَّةِ، فَإِذَا قَابَلَتْ عَدُوَّهَا.. انْبَعَثَتْ مِنْهَا قُوَّةٌ غَضَبِيَّةٌ، وَتَكَيَّفَتْ بِكَيْفِيَّةٍ خَبِيثَةٍ مُؤْذِيَةٍ، فَمِنْهَا مَا تَشْتَدُّ كَيْفِيَّتُهَا، وَتَقْوَى حَتَّى تُؤَثِّرَ فِيها.
أيضا الجواب عنها من كتابه الطب النبوي حيث قال:
أَبْطَلَتْ طَائِفَةٌ مِمَّنْ قَلَّ نَصِيبُهُمْ مِنَ السَّمْعِ وَالْعَقْلِ أَمْرَ الْعَيْنِ، وقالوا: إنما ذلك أوهام لا حقيقة لها، وَهَؤُلَاءِ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ بِالسَّمْعِ وَالْعَقْلِ، وَمِنْ أَغْلَظِهِمْ حِجَابًا، وَأَكْثَفِهِمْ طِبَاعًا، وَأَبْعَدِهِمْ مَعْرِفَةً عَنِ الْأَرْوَاحِ، وَالنُّفُوسِ، وَصِفَاتِهَا، وَأَفْعَالِهَا، وَتَأْثِيرَاتِهَا.. وَعُقَلَاءُ الْأُمَمِ عَلَى اخْتِلَافِ مِلَلِهِمْ، وَنِحَلِهِمْ لَا تَدْفَعُ أَمْرَ العين، ولا تنكره، وإن اختلفوا في سببه، وَجِهَةِ تَأْثِيرِ الْعَيْنِ… وَهَؤُلَاءِ قَدْ سَدُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بَابَ الْعِلَلِ، وَالتَّأْثِيرَاتِ، وَالْأَسْبَابِ، وَخَالَفُوا الْعُقَلَاءَ أَجْمَعِينَ.