يسألونك حلقة (14)
يسألونك (14) مع الشيخ أحمد جابر علي
بينَّا أن الفتوى هي الإخبار عن حكم الله، وأنها توقيع عن الله، لهذاكان إطلاق القول بالحل أوالحرمة من غير ضوابطَ افتراءً على الله القائل في محكم كتابه:
{وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} [النحل: 116].
ويمكننا حصر أهم ضوابطِ الفتوى فيما يلي:
الضابط الأول: أهلية المفتي: لما كان الإفتاء إخبارًا عن حكم الله، وكانت الفتوى توقيعًا عن الله،
فلا بدَّ للمتصدر للفتوى أن تتحقق فيه الأهلية الشرعية.وقد اشترط الأصوليون لتحقق هذه الأهلية شروطًا معينة،
أيضا وصفاتٍ محددةً، نجملها فيما يلي: “أن يكون مكلفًا، مسلمًا، ثقةً، مأمونًا، متنزهًا من أسباب الفسق ومسقطات المروءة؛
ذلك لأن من لم يكن كذلك فقوله غير صالح للاعتماد حتىوإن كان من أهل الاجتهاد،
ويكون مع ذلك متيقظًا، فقيهَ النفس، سليمَ الذهن،رصينَ الفكر، صحيحَ التصرُّف والاستنباط”[1].
وقد سئل ابن المبارك فقيل له: “متى يفتي الرجل؟ قال: إذا كان عالما بالأثر،بصيرًا بالرأي”،
وقيل ليحيى بن أكثم: “متى يجب للرجل أن يفتي؟ فقال: إذا كانبصيرًا بالرأي، بصيرًا بالأثر”.[2] أما الخصال التي يجب على المفتي الاتصاف بها،
فقد أجملها الإمامُ أحمدُ بنحنبل بقوله: “لا ينبغي للرجل أن ينصب نفسَه للفُتيا حتى يكونَ فيه خمسُ خصالٍ:
يسألونك حلقة (14)
أولها: أن تكون له نية؛ فإن لم تكن له نية لم يكن عليه نور، ولا علىكلامه نور.
والثانية: أن يكون له علم وحلم ووقار وسكينة.
والثالثة: أن يكون قويًّا على ما هو فيه وعلى معرفته. والرابعة: الكفاية، وإلا مضغه الناس. والخامسة: معرفة الناس”
الضابط الثاني: الاعتماد على الأدلة الشرعية: إن أول ما يجب توافره في الفتوى
ذلك لتكون محلًّا للاعتبار اعتمادُها على الأدلةالشرعية الصحيحة المعتبرة لدى أهل العلم، وأول هذه الأدلة كتاب الله تعالى،
وثانيها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز للمفتي أن يتعداهما إلى غيرهما قبل النظر فيهما،
ثم الاعتمادعليهما، كما لا يجوز مخالفتهما اعتمادًا على غيرهما،والأدلة على ذلك من كتاب الله تعالى كثيرة،
منها قوله :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات: 1]، أي لا تقولوا حتى يقول،
ولاتأمروا حتى يأمر، ولا تفتوا حتى يفتي، ولا تقطعوا أمرا حتى يكون هو الذي يحكم فيه ويمضيه.
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: “لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة