لنثبت به فؤادك (4)
قال جل وعلا:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 190].
إنها دعوةٌ إلى التدبر في الكون وتأمّل مدى دقته وتناسق نواصيه وأجزائه.
إذا عباد الله، إن الخالق عز وجل بمنه وكرمه وفضله قد أظهر لنا آياته في كتاب منظور نراه ونحسّ به،
أيضا وكتاب نقرؤه ونرتّله ألا وهو القرآن الكريم بآياته وعظاتة،
الذي يعْمد إلى تنبيه الحواسّ والمشاعر وفتح العيون والقلوب إلى ما في هذا الكون العظيم من مشاهد وآيات،
تلك التي أفقدتها الأُلفة غرابتها، وأزالت من النفوس عِبرتها،
قال عز وجل: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ…. ﴾ [ص: 29]
وقال: ﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ… ﴾ [يونس: 101].
هاهو القرآن الكريم يَعرض هذه الآيات بأسلوب أخّاذ ليعيد طراوتها في الأذهان،
فكأنها ترى لأول مرة، يلفتُ النظر على هذه الأرض الفسيحة، وقد سقيت ورويت بماء الحياة، فاكتظَّت أعاليها بالنعم الوافرة،
من أنهار جارية، وأشجار مثمرة، وزروع نضرة، وجبال شامخة راسية، وبحار واسعة مترامية،
قال جل وعلا: ﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا * لِنخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا ﴾ [النبأ: 14 – 16].
أيضا وقال تعالى: ﴿ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا… ﴾ [النازعات: 30، 31]،
كذلك قال جل وعلا: ﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا… ﴾ [عبس: 24، 25]،
وقال جل وعلا: ﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ… ﴾ [الغاشية: 17].
لنثبت به فؤادك (4)
إن التأمّل في مطلع الشمس ومغيبها، التأمّل في الظلّ الممدود ينقص بلطف ويزيد،
كذلك وفي العين الوافرة الفوّارة والنبع الرويّ،
أيضا في النبتة النامية والبرعم الناعم والزهرة المتفتّحة والحصيد الهشيم،
التأمّل في الطائر السابح في الفضاء والسمك السابح في الماء والدود السارب والنمل الدائب،
كذلك التأمل في صبح أو مساء، في سكون الليل أو في حركة النهار،
إن التأمل في كل ذلك يحرّك القلبَ لهذا الخلق العجيب، ويشعر العبدَ بعظمة الخالق تبارك وتعالى،
قال جل وعلا: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ… ﴾ [الشورى: 29]،
وقال تعالى: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ برُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا… ﴾ [الفرقان: 61].
عباد الله، هذه المجرات المنطلقة، والكواكب التي تزحم الفضاء وتخترق عباب السماء، معلّقة لا تسقط، سائرة لا تقف، لا تزيغ ولا تصطدم،
﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ… ﴾ [يس: 38، 39].