لنثبت به فؤادك (22)
إن خيرية أمة الإسلام مستقرة مستمرة لهذه الأمة ما دامت الحياة؛
لأن وصف الله تعالى لها بالخيرية والشهادة على الناس وصف شرعي دلَّ عليه النص دلالة قطعية،
فقد ثبتت بدليل قطعي في ثبوته، قطعي في دلالته. فالأمة الإسلامية خير الأمم،
وهي الأمة الوسط، أي شاهدة عدل على الناس منذ أن بنى رسول الله، صلوات ربي وسلامه عليه، النواة الأولى لهذه الأمة،
وإلى يومنا هذا وحتى تقوم الساعة، ولا يقدح في خيريتها هذه وشهادتها تلك ما نزل بالأمة من فتن وبلايا
أبعدتها عن مستواها كأمة صاحبة رسالة عالمية خالدة مُكلفة بتبليغها، بعد هدم الخلافة الإسلامية مطلع القرن الماضي،
ودليل ذلك إن النصوص التي تناولت مسألة الخيرية والشهادة على الناس من الآيات والأحاديث،
جاءت بألفاظ عامة مستغرقة لعموم أفراد المسلمين من غير مخصِّص يُخصصها في جيل من الأجيال،
وكذلك جاءت بألفاظ مطلقة غير مقيدة بزمان ومكان معينين، فقوله: ﴿كنتُم﴾ وقوله ﴿وَجَعلناكُم﴾ ألفاظ تدل على العموم،
ولكن بالمقابل، فإن ثبات صفتي الخيرية والشهادة على الناس للأمة الإسلامية،
لا يعني انتفاء محاسبتها على تقصيرها فيما أوكلها الله تعالى به من فرائض الإسلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،
فهي وإن كانت كذلك، فإنها محاسبة على تقصيرها فيما كُلِّفت به،
فعن حذيفة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف
ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم». [رواه الترمذي وقال حديث حسن].
ولذلك فإن ما أصاب الأمة من نكوص وتقصير وتنكب عن مركزها اللائق بها، حتى صارت تبعًا للكافر المستعمر يصول ويجول في بلادها طولًا وعرضًا،
لا ينفي تحملها وِزرَ ما أصابها ومحاسبتها عليه يوم القيامة، والذي أردنا بيانه هنا
هو التفريق بين كون الأمة الإسلامية خير الأمم وشاهدة عدل عليها، وكون هذه الصفة ثابتة مستمرة لها حتى تقوم الساعة من جهة،
لنثبت به فؤادك (22)
وكون الأمة محاسبة على تقصيرها فيما فرضه الله عليها، أي أنها وإن كانت خير أمة أخرجت للناس؛
إلا أنها مسؤولة عن كل تقصير يعتريها يترك آثارًا على سلوكها في معترك الحياة من جهة أخرى.
فوسطية الأمة أي شهادتها على الناس الذي نص عليه قوله تعالى:
(وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أمَّةٗ وَسَطٗا لِّتكُونُواْ شهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيۡكُمۡ شَهِيدٗاۗ)
أي الأمة الإسلامية – مكلفة بتبليغ رسالة الإسلام إلى الأمم الأخرى على وجه لافت.
ومعنى قولنا: «على وجه لافت» أي أن يكون تبليغ رسالة الإسلام فيه سيادة مطلقة لدين الله في الأرض،
وظهور لهذا الدين على الدين كله، ودخول للناس في دين الله أفواجًا،
قال الله تبارك وتعالى: (وَقَٰتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةٞ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ كلُّهُۥ لِلَّهِۚ فَإِنِ ٱنتَهَوۡاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ ٣٩).