لنثبت به فؤادك (18)
إن من أهم السنن الربانية التي ترتبط بعلاقة مباشرة مع سنن التمكين، سنة الأخذ بالأسباب،
ولذلك يجب على أفراد الأمة وقادتها العاملين للتمكين لدين الله من فهمها واستيعابها، وإنزالها على أرض الواقع.
كما أن الله عز وجل أمرنا بالإعداد الشامل في قوله: “وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ”،
أيضا وإعداد القوة في حقيقته الأخذ بالأسباب الشاملة،
كقوة العقيدة والإيمان، وقوة الصف والتلاحم، وقوة السلاح والساعد،
إن الآية الكريمة تضع إذهان المسلمين على الإعداد الشامل المعنوي والمادي، والعلمي والفقهي على مستوى الأفراد والجماعات
أيضا وتدخل في طياتها الإعداد التربوي، والسلوكي، والإعداد المالي، والإعداد الإعلامي والسياسي والأمني والعسكري.
قال تعالى:
“وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كلِّ شَيْءٍ سَبَبًا * فَأَتْبَعَ سَبَبًا *
لنثبت به فؤادك (18)
إذا فقد وازن ذو القرنين بين الأسباب التي أتاحها الله له واتبعها واستقصاها،
حتى إن القرآن يلح على ذلك ويبينه ويكرر التزامه في العمل بالأسباب،
وذلك في مواضع ثلاثة من الآيات التي أشرنا إليها حيث يقول
“فَأَتْبَعَ سَبَبًا” (الكهف: 85) وبعدها يكرر: “ثمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا” (الكهف: 89 ـ 92)،
كذلك قرن ذو القرنين بما انطوى عليه من أسباب معنوية، وما كان عليه من إيمان وتقوى وعمل صالح في قوله:
“هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا” (الكهف: 98)،
لذلك اجتمعت له الأسباب الظاهرة والباطنة فكان له التمكين والغلبة ونفع الناس وإعانتهم.
أيضا وذو القرنين علم قرآني بارز، خلّد الله ذكره في كتابه الخالد، إنه الرجل الطواف في الأرض،
الصالح العادل الخاشع لربه والمنفذ لأمره، والقائم بين الناس بالإصلاح، والذي ملك أقاصي الدنيا وأطرافها،
فلم يغره مال ولا منصب، ولا جاه ولا قوة ولا سلطان، بل إنه بقي ذاكراً لفضل ربه ورحمته،
متأهباً لليوم الآخر ليلقى جزاءه العادل عند ربه ويكفي أن يبقى ذو القرنين تلك الشخصية العظيمة في التاريخ،
وذلك العلم البارز في العدل والإصلاح والقيادة، ومثال الحاكم الصالح على مر التاريخ، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها،
بشهادة الكتاب الخالد. إن القرآن الكريم اهتم بإخراج القيم الصحيحة في سيرة ذي القرنين وأعماله وأقواله