كلنا نحتاج إلى التوبة
إذا الواجب على كل مسلم أن يبادر بالتوبة النصوح من جميع الذنوب، والتوبة واجبة على الفور، فلا يجوز تسويفها ولا تأخيرها،
بل قال العلماء إن تأخير التوبة ذنب يستوجب التوبة،
فمن فعل الذنب وسوف التوبة منه قائلا سوف أتوب، فقد أساء مرتين، مرة بفعل الذنب، والأخرى بتسويف التوبة منه،
قال ابن القيم رحمه الله: الْمُبَادَرَة إِلَى التَّوْبَةِ مِنَ الذَّنْبِ فَرْضٌ عَلَى الْفَوْرِ، وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا،
فَمَتَى أَخَّرَهَا عَصَى بِالتَّأْخِيرِ، فَإِذَا تَابَ مِنَ الذَّنْبِ بَقِيَ عَلَيْهِ تَوْبَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ تَوْبَتُهُ مِنْ تَأْخِيرِ التَّوْبَةِ،
وَقَلَّ أَنْ تَخْطُرَ هَذِهِ بِبَالِ التَّائِبِ، بَلْ عِنْدَهُ أَنَّهُ إِذَا تَابَ مِنَ الذَّنْبِ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ آخَرُ، وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ مِنْ تَأْخِيرِ التوبة. انتهى.
وهذا المسوف للتوبة على خطر عظيم، فإنه لا يدري أيعيش حتى يتمكن من التوبة أو لا؟ ثم إن التوبة من الذنب قبل تمكنه وحصول الإلف له أيسر بكثير،
فمن كان ذا ذنب ثم أخر التوبة منه إلى غد، فغالب الظن أنه غدا سيكون أعجز عن تلك التوبة،
وهذا كلام نفيس جدا لأبي حامد الغزالي ـ رحمه الله ـ في علاج تسويف التوبة، يقول ما عبارته: وأما تسويف التوبة:
فيعالجه بالفكر في إن أكثر صياح أهل النار من التسويف، لأن المسوف يبني الأمر على ما ليس إليه،
وهو البقاء، فلعله لا يبقى، وإن بقي فلا يقدر على الترك غدا كما لا يقدر عليه اليوم
كلنا نحتاج إلى التوبة
، فليت شعري هل عجز في الحال إلا لغلبة الشهوة؟ والشهوة ليست تفارقه غداً،
بل تتضاعف، إذ تتأكد بالاعتياد، فليست الشهوة التي أكدها الإنسان بالعادة كالتي لم يؤكدها،
وعن هذا هلك المسوفون لأنهم يظنون الفرق بين المتماثلين، ولا يظنون أن الأيام متشابهة في أن ترك الشهوات فيها أبداً شاق،
وما مثال المسوف إلا مثال من احتاج إلى قلع شجرة فرآها قوية لا تنقلع إلا بمشقة شديدة،
فقال أؤخرها سنة، ثم أعود إليها وهو يعلم أن الشجرة كلما بقيت ازداد رسوخها،
وهو كلما طال عمره ازداد ضعفه، فلا حماقة في الدنيا أعظم من حماقته،
إذ عجز مع قوته عن مقاومة ضعيف فأخذ ينتظر الغلبة عليه إذا ضعف هو في نفسه وقوي الضعيف. انتهى.
فعلى المسلم أن يتفطن لهذه المعاني العظيمة،
كذلك وأن يبادر بالتوبة النصوح من جميع الذنوب فورا دون أدنى تسويف. رزقنا الله وسائر إخواننا التوبة النصوح.