أنت تبخل علي نفسك فقط
في واقع الأمر أنت لا تبخل سوى على نفسك
يقول الرافعي: “سرّ السعادة أن تكونَ فيك القوى الداخلية التي تجعل الأحسنَ أحسن ممّا هو، وتمنعَ الأسوأ أن يكون أسوأ مما هو” فما سرّ الحزن؟
إنّ من أهم أسباب الشعور بالحزن المستمرّ، هو طرد الفرح من حياتك، حتى لو أتى إليكَ ضيفًا راجيًا مجاورتك، لطردته بعيدًا، وبالفعل، قد يبالغ بعض الناس في وصف أحزانه ونكبات حياته، وقد يرون أنّه ليس لهم نصيبٌ من السّرور والفرح في هذه الدنيا، لكأنَّ السعادة وُزّعت يومًا على خلق الله جميعًا، فلم يكن لهم مِنها مثقال ذرة، أو أنقصَ من ذلك، هؤلاء هم المتشائمون، والمتشائمُ هو ذلك الشخص الذي تراه دائمًا سوداويّ الفكر، نافذ الصّبر، شديد الحذر، ولو من توافه الأمور، ويُؤمن بأحد أشرّ مذاهب الفلسفة، التي تزعم بقولها: “إنّ الشرّ في العالم أكثر من الخير، وأنّ الحياة الإنسانيّة هي سِلسلة من الآلام الدائمة..”، تراه ليسَ له خلّ أو صاحب إلا اثنان لا ثالث لهما، هما الحزن والتشاؤُم، أَلا فلينظُر إلى خليله، فإنّه على دينِه.
أنت تبخل علي نفسك فقط
والمتشائمُ كمقاتل نزل في ساحة المعركة في قتال مع العدوّ،
فلمّا وطأت قدماه ساحة الحرب، حمل سيفه، ثمّ لم يدر بأيّ الأعداء يبدأ، أيبدأُ بمشاكله الحقيقيّة التي يعيشها،
أيضا أم بالهموم التي أثقلت رأسَه وتفكيره بسوء توقّع المجهول، فإذا بسهام الموت تحاصره، وتفتك به، وتمزق كبده،
فيموت قبل أن يذوق الطعم الحلوَ للحياة، بعد أن جرع نفسه، كؤوس الحنظل جلّ حياته.
ولمْ يكن عبثًا أن كان أمرُ الله هو أن نحسن الظنّ به على الدّوام؛
ذلك لأنّ الأيمان يملأ الفراغ في الرّوح، ويمحي وساوس النّفس التي جبلت على العجَلة، إذا مسها الخير،
تقول هي ساعة سرور، ولا شكّ أنّ بعدها أيامًا من الحزن والهموم، وإذا مسها الشرّ، منعت نفسها عن النّور،
وانزوت إلى ما يهدها من الظلام، فإذ بالألم يصير آلامًا، والوجعَ أوجاعًا، والتشاؤم مرض، فشخص نفسك،
فإذا كنت مصابًا به، ووددت لو تعرف ما الدواء لهذا المرض، فعليكَ أن تبحر في نفسك، وتقتلع هذا الفراغ من روحك،
وتشغل محلّه حسن ظنك باللّٰه، وتزيل هذه النظارة التي لا ترى العالَم من خلالها إلا باللونين:
الأسود والأبيض، وترتدي واحدةً أخرى، تمكّنك من رؤية ألوان العالَم على اختلافها وجمالها