صفقات رمضانية (9)
صفقات رمضانية (9) مع د محمود القلعاوي
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تفْلِحُونَ ﴾[1].
تأمل تلك الوصية الجامعة التي ختم الله تعالى بها هذه السورة الكريمة!
لما اشتملت هذه السورة العظيمة على جملة من الأوامر والنواهي، ولما كان قدر الله تعالى يجري على كل مسلم بما يحب ويكره، ورد الأمر بالصبر: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا ﴾.
اصبروا على طاعة الله لتمتثلوا أمره، واصبروا عما حرم الله تعالى لتجتنبوا نهيه، واصبروا على قضائه وقدره لتحققوا العبودية له.
ولما اشتملت هذه السورة على الجهاد في سبيل الله، وغايته إعلاء كلمة الله، ولا سبيل إلى ذلك إلا بكبحِ جماحِ أعداءِ اللهِ تعالى؛ أمر الله تعالى بالمصابرة؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا ﴾.
وَالْمُصَابَرَةُ مفاعلةٌ من الصَّبرِ، وَهِيَ الصَّبْرُ فِي وَجْهِ أعداءِ الإسلامِ الذين تواصوا بالصبر على حربه، ولا يتحقق النصر لأهل الإيمان إلا بتلك المصابرة، وهي أبلغ من الصبر.
صفقات رمضانية (9)
أيضا ولما كان حبلُ العداءِ للإسلامِ ممتدًا، وغدرُ الأعداءِ متوقعًا أمر الله تعالى بالمرابطة.. وهي دوامُ الثَّباتِ على حراسةِ الثغورِ، مع أخذِ الحيطةِ والحذرِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا ﴾.
وفي الكلام ترقٍ من الأدنى للأعلى، فالصبرُ أول مراتب الجهادِ، وهو جهاد النفس.. كذلك ومن حققه كان أهلا لمجاهدة العدو بالمصابرة، وهي المرتبة الثانية للجهاد، وبها يتحقق النصر.. كما لا تكون استدامته إلا بالمرابطة، وهي أعلى مراتب الجهاد.. فعَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ، وَأجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَأَمِنَ الْفَتَّانَ»[2].
أيضا ولا يستطيع أحد أن يسلك طريق القوم، وهو مستسلم لأهواء نفسه، وحبها للجاه والظهور.. كذلك وطموحها إلى الشهرة والثناء، أو للثروة والمال.. أو لغير ذلك من شهوات النفس وزخارف الدنيا. وإنما يسلك الطريق من اصطحب معه إرادة قوية، وتصميما على المجاهدة.. و»الإرادة» هي الأساس، و»المجاهدة» هي المحور.
كذلك وإن أخطر شيء على سالك الطريق هو اليأس من الانتصار في هذه المعركة.. وإلقاء السلاح اعترافا بالهزيمة النفسية، أو إقرارا بالعجز أو باستحالة الوصول