مسير أنت أم مخير
لطالما أثار موضوع التسيير والتخيير جدلا كبيرا بين علماء الأمة ومنهم من يتجنب الحديث عنه بوصفه مفهوما شائكا
هل الإنسان مخير أم مسير؟ الإنسان أيا كان يتعرض لنوعين من التصرفات:
الأولى: مسير فيها خارجة عن قصده وإرادته كالسقوط غير العمد، التثاؤب والارتعاش،
أما الثانية: مخير فيها تأتي ثمرة قصد وإرادة من صاحبها كالقيام للصلاة أو مباشرة عمل معين،
والفرق بينهما كالمرض الذي يصيبك والدواء الذي تتناوله بيدك.
هذه الإرادة معرضة أحيانا للتشويش من طرف مؤثرات داخلية تنبع من الإنسان نفسه كالمشاعر والانفعالات،
الأهواء وجماح الغرائز أو خارجية كالمحيط العائلي والاجتماعي، في هذه الحالة يبقى العقل الملاذ الوحيد من أجل اتخاذ القرار الصحيح
حتى لا تفقد هذه الإرادة فاعليتها وسلطانها ثم تذبل لتصبح شكلا من غير مضمون
مسير أنت أم مخير
هل القضاء ينفي إرادة الإنسان؟
يظن البعض أن القضاء يلغي حق الإنسان في الاختيار لكنه على العكس من ذلك،
إنه علم الله عز وجل بسائر تصرفات الإنسان الاختيارية والقسرية. قال أبو سليمان الخطابي
“وقد يحسب كثير من الناس أن معنى القضاء والقدر إجبار الله سبحانه وتعالى العبد وقهره على ما قدره وقضاه وليس الأمر
كما يتوهمون وإنما مفاده الإخبار عن تقدم علم الله سبحانه وتعالى بما يكون من أكساب العبد وصدروها عن تقدير منه”.
و بما أن العلم تابع للمعلوم وليس العكس، فالقضاء ليس أكثر من علم الله بما يجري أو سيجري في الكون لا يستوجب الجبر والإلزام، صفة كاشفة غير مؤثرة،
حيث إنه بجهد الإنسان تتفتح أزاهير الخير والإصلاح وبسوء سعيه يكون قد أوقد نيران الفساد والشرور.
ما هو الزمن بالنسبة لكل من الله عز وجل والإنسان؟
إن التوقع أو التخطيط المستقبلي أمر منطقي في حياة كل إنسان
إلا أنه منفصل عن المستقبل لأنه يدخل في باب الإرادة والاختيار عكس المستقبل المحجوب عنا اللحظة الحاضرة.
أما الله عز وجل فالمستقبل في حقه تعالى ليس محجوبا بالزمان الحاضر.