لنثبت به فؤادك (21)
في الآية الأولى من سورة البقرة وهي قوله تعالى:
﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْناكُمْ أمَّةً وَسَطًا لِتَكونوا شهَداءَ عَلى النّاسِ وَيَكونَ الرَّسولُ عَلَيْكُمْ شَهيدًا﴾
جاء الحديث عن شهادة الأمة الإسلامية على غيرها من الأمم في سياق الحديث عن تغيير القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام ،
أي في سياق تمييز الله لأمة محمد-صلوات ربي وسلامه عليه-
بأن خَصَّها بقبلة تتجه شطرها، وبعد إسهاب الآيات طويلًا في بيان أحوال بني إسرائيل -اليهود والنصارى-
حيث الكفر، وتبديل كلام الله، وقتل الأنبياء، والاعتراض على أوامر الله، والخوض في أنبيائه -عليهم السلام-
فختم الله تبارك وتعالى الجزء الأول من سورة البقرة بقوله:
﴿تِلْكَ أمَّةٌ قَدْ خَلَتْ؛ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ؛ وَلا تسْأَلونَ عَمّا كانوا يَعْمَلونَ﴾.
وكأن في الأمر ختمٌ لحقبة تاريخية وإسدال للستار على تاريخ بني إسرائيل الأسود،
والبدء بإبراز شهادة ميلاد أمة الإسلام وتاريخ أمة الإسلام،
فجاءت الآيات التالية في مستهل الجزء الثاني في سورة البقرة تحكي حادثة تغيير القبلة إلى المسجد الحرام بيانًا لصفة هذه الأمة،
وأنها الأمة الوسط شاهدة العدل على الناس ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْناكُمْ أمَّةً وَسَطًا لِتَكونوا شهَداءَ عَلى النّاسِ وَيَكونَ الرَّسولُ عَلَيْكُمْ شَهيدًا﴾.
جاء في كتاب (التيسير في أصول التفسير/للعالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير حفظه الله): “الوسط في كلام العرب:
الخيار والخيار من الناس عدولهم. جاءَ في لسان العرب: إن أوسط الشيء أفضله وخياره،
فوسط المرعى خير من طرفيه، ومنه الحديث: “خيار الأمور أوسطها” [رواه البيهقي 3/273 والقرطبي 2/154]
وجاء فيه كذلك في معنى قوله سبحانه:
﴿وكذلك جعلناكم أمةً وسطًا﴾ أي عدلًا، ويضيف صاحب اللسان قائلًا: هذا تفسير الوسط، وحقيقة معناه،
لنثبت به فؤادك (21)
فإنه سبحانه تفضَّل على أمة محمد بأن جعلها أمةً وسطًا بين الأمم؛ لتكونَ شاهدةً على الناس،
كذلك جعلها الله سبحانه بهذا الوصف “الأمة الوسط” أي الأمة العدل؛ لتكونَ مؤهلةً للشهادةِ على الناس
حيث إن العدالةَ هي الشرط الأساس للشهادة؛ وعليه يكون معنى الآية: إن الأمةَ الإسلاميةَ ستكون شاهد عدلٍ على الأمم الأخرى،
على أنها بلَّغتهم الإسلام. والآية، وإن جاءت بصيغة الإخبار؛
إلا أنها في معنى الطلب من الله سبحانه للأمة الإسلامية أن تبلِّغَ الإسلام لغيرها من الِأمم وإن لم تفعل أثِمت،
فهي حجةٌ على الأمم الأخرى ﴿لِتكونوا شهداءَ على الناس﴾
كما أن الرسول حجةٌ على الأمةِ الإسلامية بسبب تبليغه إياها الإسلام ﴿ويكونَ الرسول عليكم شهيدًا﴾.
هذا من وجه أن الأمة الإسلامية شاهد عدلٍ على الأمم الأخرى بعد الإسلام من حيث تبليغها للإسلام لتِلكَ الأمم، ومن وجه آخر
كذلك فهي شاهد عدلٍ على الأمم الأخرى قبل الإسلام، من حيث تبليغ الرسل السابقين رسالات ربهم لأقوامهم
إذا فالأمة الإسلامية شاهد عدل على الأمم الأخرى بعد الإسلام وقبل الإسلام على النحو الذي بينَّاه … “
من هنا يتبين لنا أنَّ في الآيتين إخبار وطلب، إخبار بصفتين شرعيتين للأمة الإسلامية (الأمة الوسط، أي شاهدة عدل على الناس، وخير أمة أخرجت للناس)،
وكذلك فيهما طلب وأمر بصيغة الخبر يدل على الوجوب،
أي أن الأمة الإسلامية مكلفة بالمحافظة على وسطيتها وخيريتها، وذلك بالإيمان بالله وحده لا شريك له،
أيضا والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتبليغ رسالة الإسلام إلى الناس كافة على وجه لافت