لنثبت به فؤادك (17)
إن إعداد القوة يستدعي إنفاقاً، وقد تكفل الله للمنفقين في سبيله بإخلاف ما أنفقوه والإثابة عليه، قال تعالى:
“وَمَا تنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تظْلَمُونَ” (الأنفال : 60)،
وقد جاء التحذير من عدم الإنفاق في سبيل الله،
كذلك مع بيان أن ذلك سبب للأهلاك والمذلة، وذلك في قوله تعالى:
“وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ” (البقرة : 195)،
أي: إذ لم تبذلوا في سبيل الله وتأييد دينه كل ما تستطيعون من مال واستعداد فقد أهلكتم أنفسكم،
أيضا ففي الآية: النهي عن ترك الإنفاق في سبيل الله لأنه سبب الهلاك،
لنثبت به فؤادك (17)
كما بين أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه سبب نزول هذه الآية، فعن أسلم بن عمران قال:
كنا بمدينة الروم “القسطنطينية” فأخرجوا إلينا صفاً عظيماً من الروم، فخرج إليهم من المسلمين مثلهم،
فحمل رجل من المسلمين على صف للروم حتى دخل فيه فصاح الناس وقالوا: سبحان، يلقي بيديه إلى التهلكة، فقام أبو أيوب الأنصاري
فقال: يا أيها الناس إنكم تتأولون هذه الآية هذا التأويل: وإنما أنزلت فينا معاشر الأنصار،
لما أعزَّ الله الإسلام وكثر ناصروه قال بعضنا لبعض سرَّاً دون رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إن أموالنا قد ضاعت، وإن الله قد أعز الإسلام وكثر ناصروه،
أيضا فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم يرد علينا ما قلنا:
“وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ” (البقرة : 195)،
فكانت التهلكة الإقامة على الأموال وإصلاحها وتركنا الغزو.
كذلك وعموم الآية يقتضي الإنفاق في سبيل الله في سائر وجوه القربات ووجوه الطاعات،
أيضا وخاصة صرف الأموال في قتال الأعداء وبذلها فيما يقوي به المسلمون على عدوهم والإخبار عن ترك فعل ذلك بأنه هلاك ودمار لمن لزمه واعتاده.