يسألونك :موسم رمضان (29)
الكسل في العبادة
قواعد في مواجهة الكسل والفتور الذي يعتري الإنسان في العبادة وطلب العلم، والله أسأل أن ينفع بهذه القواعد ويتقبلها.
القاعدة الأولى:
معرفتك حقيقةَ الدنيا، وتذكُّرك دائمًا وفي كل يوم أن هذه الحياة قصيرة، وأنه لا مجال فيها للكسل والفتور وتضييع الأوقات بدون جد واجتهاد.
فدائمًا عش يومك واجتهد فيه كأنك لا تعيش بعده أبدًا.
– يقول تعالى في وصف الدنيا:
﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ
وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [يونس: 24].
كما قال العلامة السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره على هذه الآية: وهذا المثل من أحسن الأمثلة، وهو مطابق لحالة الدنيا،
أيضا فإن لذاتها وشهواتها وجاهها، ونحو ذلك يزهو لصاحبه إن زها وقتًا قصيرًا، فإذا استكمل وتم اضمحل،
كذلك وزال عن صاحبه، أو زال صاحبه عنه، فأصبح صفر اليدين منها، ممتلئ القلب من همها وحزنها وحسرتها،
﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ ﴾؛ أي: تزخرفت في منظرها، واكتست في زينتها، فصارت بهجة للناظرين، ونزهة للمتفرجين،
أيضا وآية للمتبصرين، فصرت ترى لها منظرًا عجيبًا ما بين أخضر، وأصفر، وأبيض وغيره.
﴿ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا ﴾؛ أي: حصل معهم طمع، بأن ذلك سيستمر ويدوم، لوقوف إرادتهم عنده، وانتهاء مطالبهم فيه.
فبينما هم في تلك الحالة ﴿ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ﴾؛
أي: كأنها ما كانت فهذه حالة الدنيا، سواء بسواء.
يسألونك :موسم رمضان (29)
﴿ كَذَلِكَ نفَصِّلُ الْآيَاتِ ﴾؛ أي: نبينها ونوضحها، بتقريب المعاني إلى الأذهان،
وضرب الأمثال ﴿ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾؛ أي: يعملون أفكارهم فيما ينفعهم.
وأما الغافل المعرض، فهذا لا تنفعه الآيات، ولا يزيل عنه الشك البيان؛ انتهى.
كذلك وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى: ابن آدم، إنما أنت أيام، كلما ذهب يوم ذهب بعضك؛ حلية الأولياء ( ١١٧/٢).
أيضا وﻋﻦ ﻣﻴﻤﻮﻥ ﺑﻦ ﻣﻬﺮاﻥ ﻗﺎﻝ: اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻛﻠﻬﺎ ﻗﻠﻴﻞ، ﻭﻗﺪ ﺫﻫﺐ ﺃﻛﺜﺮ اﻟﻘﻠﻴﻞ، ﻭﺑﻘﻲ ﻗﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﻘﻠﻴﻞ؛ ذم الدنيا لابن أبي الدنيا (ص ٤٦).
كذلك فلا ينبغي لمن عرف حقيقة الدنيا وسرعة زوالها – أن يكسل فيها ويفتر عن العبادة وطلب العلم و الخير،
إذا فاليوم عمل وغدًا تموت فحساب ولا عمل.
القاعدة الثانية:
إذا تذكر عاقبة الكسل والفتور من الخسارة والندامة في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: ﴿ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴾ [الزمر: 56].
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: وأما الكسل فيتولَّد عَنهُ الإضاعة والتفريط والحرمان وأشد الندامة،
كذلك وهوَ مناف للإرادة والعزيمة التي هي ثمرَة العلم؛ مفتاح دار السعاد
القاعدة الثالثة:
أيضا تذكر العاقبة الحسنة للجد والاجتهاد، وترك الكسل من الأجر والثواب والرفعة في الدنيا والآخرة،
وكما يقال: من جد وجد ومن زرع حصد، والاجتهاد له لذة وفرحة والكسل بعكس ذلك؛ قال تعالى:
﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133]