ميلاد قلب (15)
ميلاد قلب (15) مع الداعية محمد عبدالحفيظ
من جميل ما نقل عن التابعي الجليل الحسن البصري – رحمه الله – قوله ” ما رأيت يقيناً لا شك فيه ، أشبه بشك لا يقين فيه من الموت ” وصدق رحمه الله ،
فمن الحقائق اليقينية المتفق عليها بين سائر البشر ، ولا يمكن لأحد أن يشكك فيها حتى لو كان من أعتى الملحدين :
أننا جميعا سنموت ، طال العمر أم قصر . ومع ذلك فجلنا يتعامل مع تلك الحقيقة بمنطق عقلي بارد ،
حيث نجزم بها لكننا نستبعدها ، أو نتعمد تجاهلها ، وربما كرهنا تذكرها ، وصحيح أننا نراها تصيب غيرنا ،
أيضا ويتخطف الناس من حولنا ما بين حين وآخر ، لكننا نعلل النفس أنها بعيدة عنا ، وما يزال في العمر متسع ، وفي الأجل بقية .
ولعل في كثرة المتوفين بكورونا هذه الأيام من الشباب والشيوخ – رحمهم الله أجمعين – عظة وعبرة ،
كذلك وتذكيرا للنفس الغافلة ، والمسكونة بطول الأمل أنه حتى لو افترضنا أن الموت لن يأتي فجأة ،
إذا فالمرض يداهم الناس فجأة ، ودونما مقدمات ، ومن يضمن ألا يفضى المرض إلى الموت .
أيضا قال أبو حامد الغزالي
“ كل نفس من الأنفاس يمكن أن يكون فيه الموت فجأة ، فإن لم يكن الموت فجأة فيكون المرض فجأة ، ثم يفضى إلى الموت،
فما لك – يا نفس – لا تستعدين للموت وهو أقرب إليك من كل قريب “ إحياء علوم الدين
ميلاد قلب (15)
فاليقين ليس فقط الموت ولكنه الثبات على الإيمان وطلب الثواب والرحمة والمغفرة فى كل لحظة..
اليقين هو إدراك أنك ستقابل الخالق برحمته وإحسانه وعطفه مهما كنت محسنًا وعابدًا وصادقا وكريمًا..
أيضا المؤمن يدرك تمامًا أن الدنيا مرحلة من مراحل العهود فى الآخرة..
كذلك الدنيا هى المزرعة التى لن ترى فيها زرعك أبدا لأنك ستحصده فى الآخرة..
اليقين إذن أن تخاف الله سرًا وعلانية وتحاول جاهدًا تجنب ما نهى الله عنه..
يقول الرسول الكريم صلوات ربى عليه بعد إحدى المعارك «عدنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر»
أى جهاد النفس لأنه المخرج من الظلمات للنور.. النفس البشرية بها السيئ والمستقيم،
كذلك والذى يدرك اليقين هو الذى ينتصر على الوساوس والنوازع الشريرة.. يقول ربى فى كتابه العزيز
(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) سورة الشمس..
أيضا وفى موضع آخر يقول تعالى
(وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَىءٍ قَدْرًا)، سورة الطلاق