فقهيسألونك

يسألونك الحلقة الثالثة

يسألونك الحلقة الثالثة

(الصيام على سفر)

الحديث  عن النبي صلى الله عليه وسلم: “ليس من البر الصوم في السفر”. له سبب ورود، وقد ورد في حالة خاصة،

ذكرها البخاري في صحيحه وأحمد في مسنده: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فرأى زحامًا، ورجلًا قد ظُلل عليه،

فقال: “ما هذا؟”. فقالوا: صائم. فقال: “ليس من البر الصوم في السفر”.

قال الإمام الطبري: “فمن بلغ منه الصوم ما بلغ من الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك،

فليس من البر صومه؛ لأن الله تعالى ذكره قد حرم على كل أحد تعريض نفسه لما فيه هلاكها،

وله إلى نجاتها سبيل، وإنما يطلب البر بما ندب الله إليه وحض عليه من الأعمال، لا بما نهى عنه”.

وقال ابن دقيق العيد: “أخذ من هذه القصة أن كراهة الصوم في السفر مختصة بمن هو في مثل هذه الحالة، ممن يجهده الصوم،

ويشق عليه، أو يؤدي به إلى ترك ما هو أولى من الصوم من وجوه القُرَب،

فينزل قوله: “ليس من البرِّ الصوم في السفر”. على مثل هذه الحالة”.

فالحالة التي ورد فيها الحديث هذه لا تعمم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا منهك القوة،

يظلله الناس ويرشون عليه الماء، متعبًا جدًّا،  وأصابه إعياء شديد،

فقال ما قال، فمن كانت حالته هكذا، أو كان سفره شاقًّا يصل فيه إلى هذه الحالة، فعليه أن يفطر.

يسألونك الحلقة الثالثة

وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر كثيرًا من المسلمين على صيامهم في السفر، فعن عائشة: أن حمزة الأسلمي سأل النبي صلى الله عليه وسلم،

فقال: يا رسول الله، إني رجل أسرِد الصوم، أفأصوم في السفر؟ قال: “صم إن شئت، وأفطر إن شئت”.

وقال ابن عباس:

قد صام النبي صلى الله عليه وسلم وأفطر، فمن شاء صام، ومن شاء أفطر(5). أي: يجوز له أن يصوم ويجوز له أن يفطر.

وكان الصحابة يسافرون في رمضان، فمنهم من يصوم ومنهم من يفطر، فلا يعيب الصائم على المفطر، ولا يعيب المفطر على الصائم،

يقول سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه:

كنا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يعِب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم(6).

فلهذا نقول إن حديث “ليس من البرِّ الصوم في السفر”، مقيد بهذه الحالة التي يكون الصيام فيها متعِبًا للإنسان، وشاقًّا عليه،

كأن يكون الصائم مسافرًا في البر، والجو حار، أو مسافر إلى الغرب في الصيف بالطائرة، فيطول النهار بالنسبة له جدًا،

فلو أن إنسانًا خرج من الدوحة مسافرًا إلى أمريكا، سيصل إلى نيويورك قبل العصر هناك،

سافر حوالي عشرين ساعة أو أكثر، ومع ذلك يصل أمريكا قبل العصر في الصيف،

ما الذي يجعله يصوم قرابة يوم كامل أو أكثر؟! فمن كان مثل هذا فالأولى له أن يفطر.

أما الأخ السائل، فيريد أن يصوم، ويتحمل مشقة الصوم في السفر،

خصوصًا في هذه الأيام الباردة؛ فأنصحه بأن يصوم، ولا يفطر، فيكون عليه عدة من أيام أخر،

وقد لا يتيسر له إجازات طويلة يقضي فيها ما عليه من أيام أفطرها، وإن كان لا حرج عليه إن شاء الله أن يفطر برخصة السفر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى