ميلاد قلب (1)
ميلاد قلب (1) مع الداعية محمد عبدالحفيظ
إنَّ العَلاقةَ بين إيمانِ القَلْبِ وعَمَلِ الجوارحِ مِن أهَمِّ مَسائلِ الإيمانِ؛ فقد تقَرَّر أنَّ الإيمانَ قَولٌ وعَمَلٌ، وأنَّ ذلك يَشمَلُ القَلبَ والجوارحَ معًا،
فهذان الركنانِ -القَولُ والعَمَلُ-، أو الأربعةُ الأجزاءِ -قَولُ القَلبِ، وعَمَلُه، وقَولُ اللِّسانِ، وعَمَلُ الجوارحِ-
كذلك يتركَّبُ منهما هيئةٌ مجتَمِعةٌ أو حقيقةٌ جامعةٌ لأُمورٍ، هذه الهيئةُ والحقيقةُ هي (الإيمانُ الشَّرعيُّ)،
كما أنَّ حقيقةَ الإنسانِ مرَكَّبةٌ من الجَسَدِ والرُّوحِ، أو العَقلِ والوِجدانِ،
أيضا وكما أنَّ الشَّجرةَ تتركَّبُ مِن الجذورِ الضَّاربةِ في الأرضِ، والسَّاقِ والأغصانِ الظَّاهرةِ.
وبهذا يفهَمُ اندراجُ جميعِ الأعمالِ والطَّاعاتِ -فَرضًا أو نَفلًا- في مسَمَّى الإيمانِ المطلَقِ،
كذلك ودخولُها في حقيقتِه الجامِعةِ، كما يظهَرُ تفاوُتُ النَّاسِ في الإيمانِ ودَرَجاتِه.
أيضا قال الآجري:
(فالأعمالُ -رحِمَكم اللهُ- بالجوارحِ: تصديقٌ عن الإيمانِ بالقَلبِ واللِّسانِ، فمن لم يصدِّقِ الإيمانَ بعَمَلِ جوارِحِه، مِثلُ:
الطَّهارةِ، والصَّلاةِ والزَّكاةِ، والصِّيامِ والحَجِّ وأشباهٍ لهذه، ورَضِيَ من نَفْسِه بالمعرفةِ والقَولِ؛ لم يكُنْ مؤمِنًا،
ولم تنفَعْه المعرفةُ والقَولُ، وكان تركُه للعَمَلِ تكذيبًا لإيمانِه، وكان العَمَلُ بما ذكَرْناه تصديقًا لإيمانِه، وباللهِ التوفيقُ) .
كذلك وقال ابنُ تيميَّةَ:
(إذا أفرِدَ الإيمانُ أدخِلَ فيه الأعمالُ الظَّاهِرةُ؛ لأنَّها لوازِمُ ما في القَلبِ؛ لأنَّه متى ثبت الإيمانُ في القَلبِ، والتصديقُ بما أخبَرَ به الرَّسولُ؛
أيضا وَجَب حصولُ مقتضى ذلك ضرورةً؛ فإنَّه ما أسَرَّ أحَدٌ سَريرةً إلَّا أبداها اللهُ على صَفَحاتِ وَجْهِه، وفَلَتاتِ لِسانِه،
فإذا ثبت التصديقُ في القَلْبِ لم يتخَلَّفِ العَمَلُ بمُقتَضاه البتَّةَ، فلا تستَقِرُّ مَعرِفةٌ تامَّةٌ ومحَبَّةٌ صحيحةٌ،
أيضا ولا يكونُ لها أثَرٌ في الظَّاهِرِ؛ ولهذا ينفي اللهُ الإيمانَ عمَّن انتَفَت عنه لوازِمُه، فإنَّ انتفاءَ اللَّازِم يقتضي انتفاءَ الملزومِ،
ميلاد قلب (1)
ذلك كقَولِه تعالى: وَلَوْ كَانُوا يؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والنَّبِيِّ وَمَا أنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء [المائدة: 81] ) .
وقال ابنُ تيميَّةَ أيضًا: (القرآنُ يبَيِّنُ أنَّ إيمانَ القَلبِ يَستلزِمُ العَمَلَ الظَّاهِرَ بحسَبِه، كقَولِه تعالى:
وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم معْرِضُونَ *
وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مذْعِنِينَ * أَفِي قلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ همُ الظَّالِمُونَ *
إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأوْلَئِكَ همُ الْمفْلِحُونَ [النور: 47 – 51].
فنفى الإيمانَ عمَّن تولى عن طاعةِ الرَّسولِ،
كذلك وأخبَرَ أنَّ المؤمنين إذا دعوا إلى اللهِ ورَسولِه ليَحكُمَ بينهم سَمِعوا وأطاعوا، فبَيَّن أنَّ هذا من لوازمِ الإيمانِ)