لنثبت به فؤادك (9)
إنّ الضلال والهدى متضادان، حيث يقال ضللت بعيري: إذا كان معقولاً فلم تهتد لمكانه،
وضل عني: ضاع، وضللته: أنسيته، ويقال لكل عدول عن المنهج عمداً، أو سهواً، يسيراً كان أو كثيراً: ضلال،
فإن الطريق المستقيم الذي هو المرتضى صعب جداً، وإضلال الله للإنسان على وجهين:
إحداهما: أن يكون سببه وهو أن يضل الإنسان فيحكم الله عليه بذلك في الدنيا،
ويعدل به عن طريق الجنة إلى النار في الآخرة.
الثاني: من إضلال الله: وهو أن الله تعالى وضع جبلة الإنسان على هيئة إذا راعى طريقاً محموداً
كان أو مذموماً ألفه واستطابه وتعسر عليه صرفه وانصرافه.
والمقصود بإضلال الله للعبد هو خذلانه وعدم توفيقه وإعانته وعدم خلق المشيئة المستلزمة للهداية.
والله سبحانه وتعالى يجعل ذلك في عباده ويخلقه فيهم بأسباب تكون من قبلهم،
فهم إذا سدوا على أنفسهم باب الهدى إرادة منهم واختياراً،
سده عليهم اضطراراً، فخلاهم وما اختاروا لأنفسهم وولاهم ما تولوا، فيكون ذلك عقوبة لهم، كما يعاقبهم في الآخرة بدخولهم النار.
لنثبت به فؤادك (9)
ومن رحمة الله بعباده، أن ما يفعله الله عز وجل من إضلال بعض عباده بالطبع والغشاوة والختم وغير ذلك،
لا يفعله بالعبد لأول وهلة حين يأمره بالإيمان ويبينه له،
وإنما يفعله به بعد تكرار الدعوة به سبحانه، والتأكيد في البيان والإرشاد وتكرار الإعراض منه،
والمبالغة في الكفر والعناد، فحينئذ يطبع الله على قلوب هؤلاء العباد، ويختم عليهم، فلا يقبل الهدى بعد ذلك،
والإعراض والكفر الأول لم يكن معه ختم وطبع، بل كان اختياراً، فلما تكرر منهم صار طبيعة وسجية.
فتأمل هذا المعنى في قوله تعالى:
“إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ” (البقرة : 6 ـ 7)
ويقوم الإنسان بالأعمال وفقاً لإرادته الحرة واختياره ورضاه، فالإنسان كائن عاقل مدرك مفكر، ويتميز عن غيره من المخلوقات بحرية الاختيار.
قال تعالى:
“أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ
وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء” (الحج : 18) .