لنثبت به فؤادك (8)
اعلم أن كل شيء مخلوق لله تعالى؛ فالأسباب والمسببات كلها بقدر الله تعالى، فمن كتب أنه يموت، كتب الله له ذلك،
وكتب سبب ذلك- من قتل أو غيره-.
ووجود المستشفيات ونحوها، هي ذاتها من جملة القدر، ونحن مأمورون بالتداوي،
والأخذ بالأسباب الجالبة لما ينفعنا، والدافعة لما يضرنا؛ وفي النهاية لا يكون إلا ما أراده الله، فكل ميسر لما خلق له.
وهكذا يقال في النجاح، وغيره من الأمور، فالله قدّر من ينجح، وقدّر أسباب ذلك،
والشخص عليه أن يأخذ بالأسباب لكي ينجح، وكل ميسر لما خلق له،
كما أن الشبع مكتوب، ولا بد من الأخذ بأسبابه، وهو الأكل، والأكل الذي هو سبب الشبع أيضًا مكتوب مقدر.
فإذا فهمت هذا؛ زال عنك الإشكال -بإذن الله-.
وقد يأخذ العبد بالأسباب، ثم لا تثمر ثمرتها؛ لأن الله لم يقدّر ذلك؛
ومن ثم نجد كثيرًا ممن يبحثون عن الغنى ويطلبونه في مظانّه، لا ينالونه؛
فالله قد كتب الأرزاق والآجال، وكتبها بأسبابها.
وعلينا أن نأخذ بتلك الأسباب لتحصيل ما ينفعنا، ودفع ما يضرّنا.
أيضا وعلينا أن لا نعتمد على تلك الأسباب، بل نتوكل على الله تعالى في جعلها تؤثر؛ لعلمنا أنه سبحانه خالق كل شيء.
كذلك وعلينا أن نعلم أنه ما شاء الله كان، أي: ما أراده هو الذي سيحصل، ولا بدّ،
وما لم يشأ لم يكن، أي: ما لم يرده، ولم يقدّره؛ فلن يحصل، ولا بدّ؛
فإنه لا راد لحكمه، ولا معقّب لأمره -سبحانه وبحمده-.
لنثبت به فؤادك (8)
بمعرفة الفرق بين أمرين: وهما الإرادة الكونية القدرية والإرادة الدينية الشرعية، والفرق بينهما أن الإرادة الكونية القدرية لا بد أن تقع،
وأنها قد تكون مما يحبه الله كالطاعات وقد تكون مما يبغضه الله كالمعاصي،
وهذه الإرادة هي المطابقة لقولنا ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن،
أي لا يقع في الكون خير أو شر إلا بمشيئة الله.
وأما الإرادة الدينية الشرعية فلا تكون إلا مما يحبه الله، وقد تقع وقد لا تقع، وعلى هذا فمعنى الآية أن الله تعالى لا يريد بكم العسر أي لا يحبه،
ولكنه إذا وقع فإنه يقع كوناً وقدراً لحكمة يعلمها، ومعنى قولهم، مراد الله أن تفعل الطاعات
وتترك السيئات أي أنه يحب أن تفعل الطاعات وأن تترك السيئات، ووقوع السيئات إنما هو بإرادته الكونية القدرية
والله أعلم.