لنثبت به فؤادك (15)
إن قدر الله حق وقدر الله نافذ، ولكنه ينفذ من خلال السنن التي أقام الله عليها نظام الكون،
ذلك من خلال الأسباب التي خلقها سبحانه وشرعها، وليستقيم عليها أمر الوجود ونظام التكليف،
فهذه السنن والأسباب جزء لا يتجزأ من قدر الله الشامل المحيط. القرآن الكريم حافل بالآيات
أيضا والتي توجب على المسلمين الأخذ بالأسباب في شتى مناحي الحياة والعمل على استقصاء تلك الاسباب للوصول إلى المراد،
خاصة في تلك المواقف الصعبة التي تواجه الأمم والأفراد، ومن النماذج القرآنية في هذا الصدد.
1ـ قوله تعالى:
“وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ ترْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تظْلَمُونَ” (الأنفال: 60).
إن أمر التمكين لهذا الدين يحتاج إلى جميع أنواع القوى، على اختلافها وتنوعها،
ولذلك اهتم القرآن الكريم اهتماماً كبيراً بإرشاد الأمة للأخذ بأسباب القوة وأوجب الله تعالى على الأمة الأخذ بأسبابها،
ذلك لأن التمكين لهذا الدين طريقه الوصول إلى القوى بمفهومها الشامل وقد قال الأصوليون: وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
لنثبت به فؤادك (15)
أيضا وفي قوله: “مَّا اسْتَطَعْتُم” قال ابن كثير:
أي مهما أمكنكم وهذا التعبير القرآني يشير إلى أقصى حدود الطاقة، بحيث لا يقعد المسلمون عن سبب من أسباب القوة يدخل في طاقاتها،
إذا المراد بالقوة هنا: ما يكون سبباً لحصول القوة ولهذا: قال أصحاب المعاني:
الأولى أن يقال: هذا عام في كل ما تتقوى به على حرب العدو وكل ما هو آلة للغزو والجهاد فهو من جملة القوة.
كما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ الآية الكريمة على المنبر وقال:
“ألا إن القوة الرمي” قالها ثلاثاً. وهذا لا ينفي كون غير الرمي معتبراً كما قوله: الحج عرفة.