التزكيةلنثبت به فؤادك

لنثبت به فؤادك (13)

لنثبت به فؤادك (13)

الابتلاء من لوازم دار الامتحان والبلاء، والعبد المؤمن الذي يفقه سنن الله في خلقه،

لا يتطلّع إلى حياة كاملة لا يشوبها كدر، لأنّه يعلم أنّ هذه الحياة لا تحصّل إلا في الجنّة،

لكنّه يستعين على البلاء بإحسان الظنّ بخالقه ومولاه، واستحضار وعده جلّ في علاه،

بأنْ يجعل بعد كلّ عسر يسرا، ويجعل لمن يتّقيه مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب.

لقد كتب الحنّان المنّان –سبحانه- أن يبتلي عباده المؤمنين بنقص في الأموال والأنفس والثّمرات،

ليس ليعذّبهم وينغّص معيشتهم، ولكن ليغفر ذنوبهم ويرفع درجاتهم،

ويهوّن وطأة هذه الدنيا الفانية على قلوبهم، فيتطلّعوا للحياة الأبديّة الباقية،

ويرجوه سبحانه أن يرحم ضعفهم وقلّة حيلتهم،

ولذلك أمرهم أن يدعوه ووعدهم أن يجيب دعاءهم ويحقّق رجاءهم، متى ما أحسنوا به الظنّ ولم يستعجلوا،

وربّما يؤخّر –سبحانه- الإجابة عن عبد من عباده، لأنّه –جلّ وعلا- يريد له أن يزداد تذللا وإلحاحا وقربا منه،

فينال خيري الدنيا والآخرة، وربّما يؤخّرها لأنّه يريد أن يكفّر عن عبده ذنوبه جميعا بذلك الابتلاء، و

كذلك ربّما يؤخّرها لأنّ العبد مقيم على ذنب لا يريد أن يتوب منه،

وربّما لأنّه يكون قد ظلم عبدا من عباد الله وتأبى عليه نفسه أن يصحّح خطأه.

الله جلّ وعلا أجاب دعاء عدوّه إبليس حينما قال: ((رَبِّ فَأنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُون))، ويجيب دعاء عبده المضطرّ ولو كان مشركا،

فكيف لا يجيب دعاء عبده المؤمن؟.. العطاء ورفع البلاء هو أهون شيء على ربّ الأرض والسّماء،

أيضا وليس بين العبد وبين أن ينال ما يتمنّاه إلا أن يحسن الظنّ بمولاه ويتعامل معه باليقين وليس بالتجربة،

لنثبت به فؤادك (13)

ويكثر من الاستغفار ويقوم باللّيل بين يدي العزيز الغفّار، مستحضرا ذنوبه وتفريطه في جنب مولاه في جانب وعفو ربّه ورحمته وكرمه في جانب آخر..

كما يقرأ العبد المؤمن حديث النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم:

“من لزم الاستغفار جعل الله له من كلّ ضيق مخرجا، ومن كلّ همّ فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب”،

فيحاول العمل به، ويحرّك لسانه بالاستغفار،

لكنّ قلبه لا يكون حاضرا مع لسانه، ولا يكون واثقا بموعود خالقه، وربّما يتوقّع أنّ الله لن يفرّج همّه ولن يكشف كربه،

فإذا أحسّ أنّ الإجابة تأخّرت، بدأ اليأس يتسلّل إلى نفسه، وربّما يسوّل له الشّيطان ترك الاستغفار،

لأنّه لم يجد له أثرا في حاله.. وهكذا ربّما يقوم العبد اللّيل بين يدي خالقه، في ثلث اللّيل الأخير،

كما يشكو إليه ما أهمّه، فيبتليه الله بتأخّر الإجابة ليزداد إلحاحا وبكاءً بين يديه سبحانه،

لكنّ نفسه لا تلبث أن تضعف مع تأخّر الإجابة ويوسوس له الشّيطان بأنّه يتعب نفسه وأنّه ليس أهلا ليجيب الله دعاءه،

ويسوّل له ترك القيام في وقت ربّما يكون فيه قاب قوسين ّأو أدنى من إجابة دعائه وتفريج همّه.

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى