لنثبت به فؤادك (11)
كلّ شيء يجري بِتقديره ومشيئته، ومشيئته تنفذ، ولا مشيئة للعِباد إلا ما شاء لهم،
فما شاء لهم كان، وما لم يشأ لم يكن، فهذا الكونُ خلق الله تعالى، ولا يقع شيء إلا بمشيئة الله تعالى،
ولا يستطيع عبدٌ مهما كان كبيرًا أن يفعل شيئًا ما أراده الله، وإنّ كلّ شيء وقع أراده الله تعالى،
وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله تعالى متعلقة بالحكمة المطلقة، وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق.
أسند الله عز وجل الهداية والإضلال إلى مشيئته سبحانه في كثير من الآيات، منها قوله تعالى:
” وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلكِن يضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ” (النحل : 93) .
وقال تعالى: “وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ” (إبراهيم : 4) .
أيضا وقال تعالى:“وَمَن يضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ *وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مّضِلٍّ” (الزمر: 36 ـ 37) .
لنثبت به فؤادك (11)
والواقع أن هذه وأمثالها نصوص عامة، ولابدَّ أن تحمل على النصوص المقيدة،
فليست مشيئة الله للهداية والإضلال تسير جزافاً بدون حكمة، أو بدون سنة ماضية في هذا الشأن
وذلك لأنه توجد هناك إلى جانب هذه الآيات العامة آيات أخرى تقيد مشيئة الله في الهداية والإضلال بأحوال خاصة
أيضا وأسباب معينة وهذه الآيات المقيدة تبين لنا من يشاء الله تعالى هدايته ومن يشاء إضلاله وهذا إجمال يحتاج إلى تفصيل.
كما ربط الله عز وجل كثير من الآيات بين مشيئة العبد للهدى، والضلال ومشيئته سبحانه وتعالى لهما،
والله سبحانه لا يشاء إلا العدل والرحمة وهذا الذي عرفه رسل الله عليهم الصلاة والسلام
ولهذا قال هود لقومه:
” إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ” (هود: 56)