ثوابت التغيير (6)
ثوابت التغيير (6) مع أشرف الشربيني
التدرج في دعوة الله
التدرُّج باب عظيم من أبواب الدعوة إلى الله تعالى، وهو علم يحتاج إلى فقه كامل بأحكام الدين، ولا أعني بالفقه..أيضا حفظ النصوص وأقوال الأئمة، بل كلمة الفقه كلمة واسعة تعني أكثر من ذلك.. فالفقه هو العلم بالأحكام ونصوصها ثم ربط هذه الأحكام بعضها ببعض في إطار واحد.. كما تظهر فيه محاسن الشريعة ومقاصدها، وحكم الله تعالى في تشريع شرائعه وأحكامه.[1]
ويعتبر التدرج في الدعوة إلى الله تعالى خصيصة من أهم الخصائص التي تيسِّر قَبول دين الإسلام.. أيضا وتحمُّل تكاليفه، وتطبيقه في الواقع، ومعناه التقدم خطوة خطوة، والبَدْء بالأهم فالمهم؛ للترقي إلى أعلى المراتب.
كذلك ومن أهم دعائم التدرُّج هو علم هذه الأولويات، حتى يتسنى للداعية أنْ يعلم من أين يبدأ.. أيضا وما هو الذي يجب أنْ يطبق أولاً وإلى ماذا يتدرج منه، ولا يكفي أنْ يكون الداعية عالماً بأحكام الدين.. أو حافظاً لها، عالماً بمقاصد الشريعة الإسلامية ومدركاً لأصولها. .. أيضا بل يجب عليه كذلك أنْ يلم بواقع المجتمع، ويدرس ما فيه من طبائع وصفات ويشخص ما فيه من علل وأمراض، حتى يتمكن من علاجها.
ثوابت التغيير (6)
وفهم واقع المجتمع يمكِّن الداعية من تحديد عدة أشياء، منها أمراض المجتمع على وجه التحديد، ثم من أين يبدأ العلاج، وكيف يتدرج به، وما هو الأوْلَى في التقديم والتطبيق، وفهم الواقع كذلك يساعد على تحديد كمية العلاج في كل مرحلة من مراحل التدرُّج، لأن كل مرحلة تحتاج إلى فقه ونوع معين من أنواع العلاج، فالذي لا يفهم واقع المجتمع ولا يتفحص فيه قد يعطي المجتمع في إحدى المراحل أكثر مما يجب أنْ يعطي له فيها، أو قد يعطيه أقل مما يجب أنْ يعطي له فيه، وأمَّا علاج كل مرحلة ونوعه، فإنه يتحدَّد بواقع المجتمع وأفراده، فالمجتمعات متباينة في عاداتها وتقاليدها، وفي درجة التمسُّك بهذه الموروثات والتقاليد، وتختلف كذلك في درجة تمسكها بالدين والالتزام بتعاليمه.
وما ورد في التشريع الإسلامي من تنجيم في نـزول الوحي ومن تدرج في بناء الأحكام، يعتبر إرشاداً إلهياً في كيفية تحويل أهل الجاهلية، إلى واقع الحقيقة الإسلامية، ليكون مبدأً عاماً في منهجية الصراع مع الواقع الباطل