السمع والطاعة يا رسول الله
فعن أبي الوليد عبادة بن الصامت، قال: “بايعنا رسول الله ﷺ على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره،
وعلى أثرة علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله تعالى فيه برهان،
وعلى أن نقول بالحق أينما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم”[1]،متفق عليه
وعبادة ممن بايع النبي ﷺ البيعة الأولى، وشهد البيعة الثانية وكان أحد النقباء،
أيضا وشهد غزوة بدر، وما بعدها، وشهد بيعة الرضوان، وكان طويلاً جسيماً جميلاً،
وهو من خيار أصحاب النبي ﷺ، وكانت روايته عن رسول الله ﷺ تبلغ واحداً وثمانين ومائة حديث،
اتفق الشيخان على ستة، وانفرد البخاري باثنين، وانفرد مسلم باثنين،
كذلك وأرسله عمر مع معاذ وأبي الدرداء إلى الشام ليعلموا الناس القرآن،
وكان قبل ذلك يعلم أهل الصفة ويقرئهم القرآن فانتقل إلى الشام وبقي يعلم في حمص،
ومعاذ في فلسطين، وأبو الدرداء في دمشق، ثم بعد ذلك لما كان له تلاميذ في حمص وبدأوا ينتشرون
ويعلمون انتقل بعد ذلك إلى فلسطين حتى توفي بها ، وهو أول من ولي قضاءها، وكانت وفاته سنة أربع وثلاثين للهجرة على الأرجح.
السمع والطاعة يا رسول الله
يقول: “بايعنا رسول الله ﷺ على السمع والطاعة”، وبايعناه أي: عاهدناه وعاقدناه على السمع والطاعة،
أن نسمع وأن نطيع من رسول الله ﷺ ومن يأتي بعده من أصحاب الولايات،
قال: “في العسر واليسر” يعني: في الشدة والرخاء، “والمنشط والمكره”
أي: في حال إقبال النفس وميلها إلى الشيء المأمور به، أو في حال تقاعدها وتثاقلها في ذلك الأمر،
بمعنى أنه يطيع في الأشياء التي يحبها ويميل إليها وكذلك يطيع في الأشياء الأخرى، “وعلى أثَرَة علينا” أي: وأن نطيع حتى مع وجود الاستئثار،
والأثَرَة تعنى: الاستحواذ على الشيء المشترك الذي يشترك الناس فيه،
فإذا استحوذ عليه أحد دونهم فإن ذلك يقال له: أثرة، ويقابله الإيثار وهو:
أن يترك الإنسان حظه ونصيبه وحقه تقديماً لغيره على نفسه، ولذلك عرِّف الإيثار بأنه: تقديم الغير على النفس في حظوظها الدنيوية،
لأنه إن قدم غيره على نفسه في حظوظ الآخرة فهذا غير محمود؛ لأنه يؤذن بزهد في العبادة، والطاعة والثواب من الله ، فأما الأثرة فهي عكسه.
قوله: “وعلى أثَرَة علينا” أي: حتى لو استأثروا علينا في الدنيا واستحوذوا عليها
فإن ذلك لا يعني أن لا نطيع، وأن لا نسمع، فهذا أمر يحاسبهم الله عليه، ولكننا كلفنا وأمرنا بأن نسمع وأن نطيع، قال:
“وعلى أن لا ننازع الأمر أهله”، أي: بالخروج عن الطاعة، ومنازعة السلطان، وأصحاب الولايات، فهذا أمر لا يجوز.