وإن من أمة إلا خلا فيها نذير
إن الله تعالى ما خلق أمة من الأمم إلا وأرسل إليهم من يهديهم وينذرهم ويرشدهم إلى الحق،
كما قال الله تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كلِّ أمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ {النحل: 36}.
وقال تعالى: رسلاً مبَشِّرِينَ وَمنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا {النساء: 165}.
قال الإمام القرطبي: يقول سبحانه وما من أمة من الأمم الدائنة بملة إلا خلا فيها من قبلك نذير ينذرهم بأسنا على كفرهم بالله،
كما حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد عن قتادة: كل أمة كان لها رسول. اهـ.
كذلك وفي تفسير ابن كثير: وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ـ أي: وما من أمة خلت من بني آدم إلا وقد بعث الله إليهم النذر وأزاح عنهم العلل،
كما قال تعالى: إنما أنت منذر ولكل قوم هاد {الرعد: 7} وكما قال تعالى:
ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة {الآية [النحل:136}
والآيات في هذا كثيرة.
وأما الآية الثانية: فقد حملها الجمهور على عقوبة الدنيا، وحملها بعضهم على العموم،
أيضا وقد فصل في ذلك وجمع بينها وبين الآية السابقة ابن عطية في تفسيره،
فقال: وقوله: وَما كنَّا معَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ـ
وإن من أمة إلا خلا فيها نذير
قالت فرقة هي الجمهور: هذا في حكم الدنيا، أي إن الله لا يهلك أمة بعذاب إلا من بعد الرسالة إليهم والإنذار،
أيضا وقالت فرقة: هذا عام في الدنيا والآخرة قال القاضي أبو محمد: وتلخيص هذا المعنى:
أن مقصد الآية في هذا الموضع الإعلام بعادة الله مع الأمم في الدنيا، وبهذا يقرب الوعيد من كفار مكة،
ويؤيد هذا ما يجيء بعد من وصفه ما يكون عند إرادته إهلاك قرية، ومن إعلامه بكثرة ما أهلك من القرون،
ومع هذا فالظاهر من كتاب الله في غير هذا الموضع ومن النظر أن الله تعالى لا يعذب في الآخرة إلا بعد بعثة الرسل،
كقوله تعالى: كلَّما ألْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قالوا بَلى {الملك: 8ـ 9}
وظاهر: كلَّما {الملك: 8} الحصر، وكقوله تعالى: وَإِنْ مِنْ أمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ {فاطر: 24} وأما من جهة النظر:
فإن بعثة آدم عليه السلام بالتوحيد وبث المعتقدات في بنيه
أيضا مع نصب الأدلة الدالة على الصانع مع سلامة الفطر يوجب على كل أحد من العالم الإيمان
واتباع شريعة الله، ثم تجدد ذلك في مدة نوح عليه السلام بعد غرق الكفار،
وهذه الآية أيضا يعطي احتمال ألفاظها نحو هذا، ويجوز مع الفرض وجود قوم لم تصلهم رسالة وهم أهل الفترات الذين قد قدر وجودهم بعض أهل العلم،
وأما ما روي من أن الله تعالى يبعث إليهم يوم القيامة وإلى المجانين والأطفال فحديث لم يصح
ولا يقتضيه ما تعطيه الشريعة من أن الآخرة ليست دار تكليف.