ثوابت التغيير (12)
ثوابت التغيير (12) مع أشرف الشربيني
إن الرسول صلّى الله عليه وسلم آخى بين أصحابه من المهاجرين والأنصار، آخى بينهم على الحق والمواساة، وعلى أن يتوارثوا بينهم بعد الممات .. أيضا بحيث يكون أثر الأخوة الإسلامية في ذلك أقوى من أثر قرابة الرحم.
فجعل جعفر بن أبي طالب ومعاذ بن جبل أخوين، وجعل حمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة أخوين.. كذلك وجعل أبا بكر الصديق رضي الله عنه وخارجة بن زهير أخوين.. أيضا وعمر بن الخطاب وعتبان بن مالك أخوين، وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع أخوين..
وهكذا..
كذلك ثم ربط النبي صلّى الله عليه وسلم هذا التآخي بين أفراد الصحابة بنطاق عام من الأخوة والموالاة، كما سنجد فيما بعد.
أيضا وقد قامت هذه الأخوة على أسس مادية أيضا، وكان حكم التوارث فيما بينهم من بعض هذه الظواهر المادية.. وظلت حقوق هذا الإخاء مقدمة على حقوق القرابة إلى موقعة بدر الكبرى.. حيث نزل في أعقابها قوله تعالى: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الأنفال ٨/ ٧٥] .. كذلك فنسخت هذه الآية ما كان قبلها وانقطع أثر المؤاخاة الإسلامية في الميراث.. ورجع كل إنسان في ذلك إلى نسبه وذوي رحمه، وأصبح المؤمنون كلهم إخوة.
روى البخاري عن ابن عباس قال: «كان المهاجرون حين قدموا المدينة يرث المهاجريّ الأنصاريّ دون ذوي رحمه للأخوة .. التي آخى النبي صلّى الله عليه وسلم بينهم.. فلما نزلت: وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ نسخت. ثم قال: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ [النساء ٤/ ٣٣] .. أي من النصر والرفادة والنصيحة. وقد ذهب الميراث .
العبر والدلائل
وهذا هو الأساس الثاني الذي اعتمده رسول الله صلّى الله عليه وسلم في سبيل بناء المجتمع الإسلامي والدولة الإسلامية. وإن أهمية هذا الأساس تظهر في الجوانب التالية:
أولا: إن أي دولة لا يمكن أن تنهض وتقوم إلا على أساس من وحدة الأمة وتساندها،
ولا يمكن لكل من الوحدة والتساند أن يتم بغير عامل التآخي والمحبة المتبادلة. فكل جماعة لا تؤلف بينها آصرة المودة والتآخي الحقيقية، لا يمكن أن تتحد حول مبدأ ما، وما لم يكن الاتحاد حقيقة قائمة في الأمة أو الجماعة فلا يمكن أن تتألف منها دولة.
على أن التآخي أيضا لا بد أن يكون مسبوقا بعقيدة يتم اللقاء عليها والإيمان بها، فالتآخي بين شخصين يؤمن كل منهما بفكرة أو عقيدة مخالفة للأخرى، خرافة ووهم، خصوصا إذا كانت تلك الفكرة أو العقيدة مما يحمل صاحبها على سلوك معين في الحياة العملية