ثوابت التغيير (10)
ثوابت التغيير (10) مع أشرف الشربيني
جوانب التخطيط والتنظيم والإدارة في سيرة النبي
إن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم مَعْلم بارز في جميع جوانب الحياة ونلحظ من سيرته العطرة جانب التخطيط .. أيضا وإحكام الإدارة ودقة التنظيم في كل مراحل دعواته: فإذا نظرنا ـ مثلاً ـ إلى الهجرة النبوية .. نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم وضع لها خطة احتوت على هذه العناصر.. تحديد الهدف، تنظيم الوسائل، رسم أسلوب التنفيذ، محاولة التنبؤ بالمستقبل، ولذلك نلاحظ الآتي:
تحديد الهدف:
لقد حدد النبي صلى الله عليه وسلم هدفه في الهجرة وهو مغادرته هو وأصحابه مكة إلى المدينة آمنين.. ثم نشر دعوة الإسلام في بيئة جديدة وإقامة دولة تقوم برسالتها في الحياة.
كما أن تخطيط الرسول صلى الله عليه وسلم للهجرة النبوية المباركة دليل واضح على أن التخطيط ضروري .. كذلك لمزاولة أي نشاط بشري مهما يكن نوعه، يستوي في ذلك أن يكون القائم به فرداً أو جماعة .. وأن يستهدف شأنا من شؤون المسلم أو شؤون الحرب
أيضا وقد اتضحت رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم في التخطيط في بناء المسجد.. ودستور المدينة، وحركة السرايا، وغزواته الميمونة واتصالاته بالقبائل والدول والزعماء والملوك .. كذلك ولقد استخدم النبي صلى الله عليه وسلم التخطيط في كل مراحل دعوته السرية والعلنية وقيام الدولة .. إيماناً منه بأن التخطيط أساس من الأسس في إنجاح أي عمل من الأعمال،
ولابد منه للبلوغ إلى المقصود وأنه ركيزة أساسية يقوم عليها هذا الدين ولذلك فإن الإسلام قد دعانا إلى الأخذ به، وجعله نظاماً لحياة المسلمين لأنه ضرورة لابد منها، وهذا ينسجم مع الفهم الصحيح لمعنى التوكل على الله والإيمان بالقدر.
ثوابت التغيير (10)
إن الدولة المدنية الإسلامية، تتصدى لتحقيق أشرف وأعظم إنجاز في دنيانا وهو التمكين لدين الله في الأرض ورفع الظلم وإقامة العدل، والانتصار للمبادئ الإنسانية، كالمساواة والحرية والكرامة الإنسانية، وحقوق الإنسان ……الخ.
كذلك لقد قامت في المدينة دولة توفرت لها كل مقومات الدولة وكان النبي صلى الله عليه وسلم هو مؤسس هذه الدولة والحاكم فيها وهو الذي يرجع إليه في كل الشؤون، ولما اتسعت أمور الدولة، عيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم العمال الأكفاء، وكان يختار العمال أساس الكفاءة والصلاح والأمانة،
أيضا ويبين للمسلمين خطورة الولاية وأنها أمانة وأن من لم يؤدِّ الواجب فيها ويأخذها بحقها كانت له يوم القيامة خزياً وندامةً وكان يحاسب العمال، كما حاسب ابن اللتبية وأنكر عليه قوله: «هذا لكم وهذا أهدي لي» وبيَّن أن هدايا العمال غلول.
كما كان يجري الرواتب على العمال، كما أجرى لعتاب بن أسيد أمير مكة درهماً كل يوم وبيَّن أن من حق العامل أن يتخذ بيتاً إن لم يكن له بيت، وزوجة إن لم تكن له زوجة ودابة إن لم تكن له دابة، فقال: «من ولى لنا ولاية ولم يكن له بيت فليتخذ بيتاً أو لم تكن له زوجة فليتخذ زوجة أو لم تكن له دابة فليتخذ دابة»(3).
وكان يوصي العمال كما أوصى أبا موسى الأشعري ومعاذ بن جبل بالتيسير والتبشير، فقال: يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا